فارس خشّان

إذا كان تنظيم "داعش" هو ، فعلا من يقف وراء ما حصل في المحافظات ذات الأغلبية السنية في العراق، فلا داعي للخوف، لا في العراق نفسه ولا في لبنان، بالتأكيد، وتاليا لا داعي لاستنفار شيعة العراق كلهم وتسليحهم كلهم، ولا داعي لاستنفار سياسي وعسكري وأمني في لبنان.

"داعش" في العراق، ومهما بلغ من قوة، فهو لا شيء بالمقارنة مع جيش نظامي تكلّفت الولايات المتحدة الأميريكية في السنوات الأخيرة عليه أكثر من 25 مليار دولار أميريكي.

و"داعش" في لبنان، ومهما بلغ من قوة، فهو لا يحظى بأي حاضنة شعبية، بل هو مكروه من السنة بالتحديد، لأنه كان سببا في خسارة الثورة السورية لمعركتها الإعلامية، من دون أن يكون، في أي يوم من الأيام ، سببا في أي ضرر أصاب النظام السوري الممقوت.

و"داعش" على امتداد العالم العربي تنظيم مشبوه، وتحاربه دول الخليج تتقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لأنه، وفق قناعاتها، يعمل بـ " اجندة" إيرانية، لا بل هو صنيعة إيرانية بامتياز، على اعتبار أن إيران أنجبت مسخا يعينها أن تظهر، بوجه مقبول، أمام المجتمع العالمي، بمجرد إجراء مقارنة بين "الصانع والمصنوع".

وفي الوقائع، فقد استغرب مفتي الديار العراقية للسنة العلامة رافع الرفاعي «اتهام الثوار الأحرار بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم داعش الإرهابي وذلك بهدف الإيقاع بين الثوار وأبناء المدن التي يحررونها.
ووصف هذا المفتي الذي طالما دعا الى ثورة سنية في العراق، في بيان عن الأحداث ما يجري هناك بعملية تحرير للشعب العراقي، خاصة السنة، ورفع للظلم الذي لحق بهم من جيش المالكي.
ورفض الرفاعي التعاون مع تنظيم "داعش" الذي وصفه بالإرهابي، وطلب من أبناء المدن التعاون مع "الذين يحررون المدينة تلو الأخرى لأنهم سيخلون العراق من ظلم حكومة المالكي."

ويشكو مسؤولون غربيون منذ فترة طويلة من أن المالكي لم يفعل ما يكفي لرأب انقسامات طائفية جعلت كثيرا من أبناء السنة المحرومين من السلطة منذ الإطاحة بصدام حسين ساخطين ويرغبون في الانتقام.

ووفق التقارير الثابتة، فقد شارك في العملية العسكرية التي طردت الجيش العراقي ضباط جيش بعثيون سابقون موالون لصدام حسين وكذلك جماعات مسلحة ساخطة وعشائر ترغب في الإطاحة بالمالكي.

إذن، سبب الخوف أن "داعش" لا يعدو كونه واجهة دعائية لإخفاء حقائق خطرة يعيشها العراق ولبنان وتعيشها سوريا وحتى باكستان.

هذه الحقائق الخطرة، لم تعد أحجية أبدا، هناك حرب سنية – شيعية تشتعل، رويدا رويدا، سببها إيران الإسلامية، من جهة أولى، واستراتيجية الياقات البيضاء التي يتبعها الرئيس الأميريكي الأسود، من جهة ثانية.

وإذا كانت الإستراتيجية الأميريكية أصبحت واضحة، من خلال مساعدة خصومها التقليديين على تصفية بعضهم ببعضهم، فقد اعتمدت إيران على عقيدة ولاية الفقيه كما على المال والسلاح، من أجل تصدير ثورتها الإسلامية الى عموم المنطقة، في محاولة حثيثة منها لإحياء إمبراطوريتها الفارسية، وأثارت، في البداية الحذر، ثم الإرباك( بسبب الشعار المعادي لإسرائيل)، ومن ثم الغضب(مظاهر الهيمنة في عراق ما بعد صدام حسين، وفي لبنان ما بعد حرب تموز" المشبوهة")، ومن ثم الحقد الطائفي( قيادة قمع الثورة في سوريا).

وما أنتجته إيران هذه، دفع غالبية السنة، ليس في العالم العربي فحسب بل، أيضا، في عموم العالم الإسلامي ( التقارير الواردة من باكستان تشير الى حرب حقيقية بين السنة والشيعة) الى الإستنفار دفاعا عن هويتهم، حتى بات العلماني منهم وحتى اليساري، يتحدث بلغة " أهل السنة".

ومن يراقب ردود الفعل على التطورات العراقية الأخيرة، يُدرك أن ثمة عاطفة سنية حقيقية مؤيدة، وإن كان هناك في المقابل، وبفعل تصوير ما حصل مجرد نتاج "داعشي"، قلق من أن تكون ثمة مؤامرة تستهدف سنة العراق وعروبته، من خلال إعطاء مبرر لدخول إيراني عسكري الى العراق، بعد مجازر طائفية يسببها التطاحن بين الداعشيين السنة والداعشيين الشيعة الذين يجري تحريضهم على القتال من منابر دور العبادة.

وسبب هذا القلق مبرر، ذلك أن انهزام الجيش العراقي من دون قتال، أثار تساؤلات كثيرة، خصوصا وأنه أتى بتوقيت مريب، حيث كان يعاني نوري المالكي – الخيار الإيراني لحكم العراق- من مصاعب جمة ليس عند الكتل السياسية السنية فحسب ، بل ضمن الكتل الشيعية أيضا، بما فيها تلك التي كانت تحالفه، وتاليا، فهو يستفيد من التلويح بشبح "داعش" حتى يتم ترسيخه في السلطة.

إذن، ما حصل في العراق له بيئة سنية حاضنة وعابرة للحدود.

والبيئة الحاضنة العابرة للحدود، هي بالتحديد، ما يخيف في كل من سوريا ولبنان.

في سوريا، ستنفتح الحدود مع العراق التي كانت مغلقة أمام الثوار ، وكانت تشكل رافدا مهما لبشار الأسد،وسيضطر المقاتلون الآتون من العراق الى المغادرة للمشاركة في حربهم الدينية الطارئة، وسيشعر السنة الذين كانوا لا يزالون على الحياد في الحرب المفتوحة على النظام، بخيانة هويتهم وانتمائهم.

وهذا يعني، بالنسبة لحماة النظام السوري، تحديات جديدة، من شأنها أن تُثقل كاهل نظام عاجز عن حسم المعارك، حتى بدعم أدوات إيران المستوردة اليه من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها.

أما في لبنان، فإن "حزب الله" سيجد نفسه مضطرا لإرسال مزيد من المقاتلين الى سوريا، لملء الفراغ من جهة، ولدعم نظام ستتنامى بوجهه العواطف المعادية، من جهة أخرى.

وهذا يعني، أن "حزب الله" يتهيّأ لنمو في مواكب القتلى، ولحاجة أكبر الى الموارد المالية، مما سيزيد من تحديات شبكاته المالية في الخارج، بعدما أيقظها كلها مستعينا بإسرائيليين، وفق تقارير أوروبية.

ومع اضطرار "حزب الله" الى رفع منسوب تدخله العسكري في سوريا، سيرفع من منسوب معاداته في الداخل اللبناني، مما يُخشى معه من عودة التفجيرات الإرهابية.

وسوف يحتاج " تيار المستقبل" خصوصا الى مزيد من الجهد، من أجل إقناع قواعده الشعبية " المتأرجحة" باستمراره الى طاولة واحدة مع "حزب الله".

ولن يتمكن " تيار المستقبل" من ذلك، إن لم يساعد "حزب الله" في مضاعفة كمية الثلج الواجب إلقاؤها على الحرائق المشتعلة، وهذا يبدو مستحيلا حتى الساعة، في ظل إصرار "حزب الله" على ضرب مالية الدولة بسلسلة رتب ورواتب تفوق قدرة الخزينة، وبممارسة التهريب الجمركي الممنهج، وبممارسة الفوقية في التعاطي مع محكمة دولية عائدة الى الواجهة، في 18  حزيران الحالي، وبممارسة التفريغ المؤسساتي من خلال محاولة فرض مرشحه لرئاسة الجمهورية، ووجهة نظره غير الدستورية على مؤسسة مجلس الوزراء.

إذن، سبب الخوف من تداعيات الحدث العراقي يكمن في ما هو أبعد من ..."داعش"!

يقال.نت