فارس خشّان

أعترف بالتهمة التي يوجهها إليّ النظام السوري. نعم لقد نلتُ من هيبته!

لا أطلب براءة منه، ولا عفوا منه، ولا تراجعا منه!

أعترف بالتهمة. أعترف بأنني فعلتُ ذلك عن سابق تصور وتصميم. فعلتُ ذلك عن إصرار. فعلتُ ذلك على الرغم من التحذيرات، والتنبيهات، والتهديدات، والملاحقات.

ما اعتدتُ أن أتنكر لفعلتي. وما احترمتُ متنكرا لفعلته.

ولا أطلب حصانة مهنية، ولا أستجدي حماية سياسية، ولا أُعلن توبة، ولا أستغفر أحدا.

نعم ، التهمة صحيحة!

نلتُ من هيبة النظام السوري، حين كان لا يزال جاثما على صدر لبنان. نلتُ منه حين تواطأ مع "حزب الله" على قتلنا. نلتُ منه حين أرسل إرهابييه إلينا. نلتُ منه حين ملأتُ الأثير وقائع وتحقيقات ونماذج عن ديكتاتوريته الطاغية، وعن علمانيته المزيّفة، وعن شعبيته المزوّرة، وعن سفّاحيه المرتزقة.

نعم، التهمة صحيحة!

أعترف بأنني ناصرتُ كل من عاداه وحاربه، وبأنني عاديتُ كل من خضع له وسيّده.

أعترف بأنني بدّلتُ انتماءاتي السياسية بتبدل ولاءات التيارات السياسية تجاهه.

كنتُ مع ميشال عون في حرب التحرير وكنتُ معه في نسخته الفرنسية، وأصبحتُ خصما له في نسخته اللبنانية – الأسدية التي بصمها أمام حسن نصرالله في كنيسة مار مخايل.

وأعترف بأنني مع 14 آذار، طالما هي ضده، وضدها إن تهاونت معه أو مع أي من داعميه.

وأعترف بأنني مع وليد جنبلاط، بلا قيد وبلا شرط، كلما عادى قصر المهاجرين، وبأنني أنأى بنفسي عنه كلما هادن داعميه.

وأعترف بأنني كنتُ ضد السين- سين، بكل أشكالها، وبأنني ضد مصالحة مع كل من يعمل معه ولمصلحته.

أعترف بأنني في مجالسي المغلقة كما في مجالسي العلنية، حرضتُ عليه ووقفتُ ضده، وبأنّ قوته لا تُسكتُني، وبأنّ ضعفه لا يُثنيني.

نعم، التهمة صحيحة!

أعترفُ بأنني لا أملك ما أدافع به عن نفسي. الأدلة كثيرة على نيلي من هيبة النظام السوري. ما يعجز هو عن تجميعه، أملكه أنا في دفاتري وفي وثائقي وفي مذكراتي وفي ذاكرتي وفي كل نقطة دم تسبح في وريدي وفي شراييني.

أعترف بأنني حين قرر بعضنا أن يستكين ما استكنت، وحين قرر بعضنا أن يهادن ما هادنت، وحين قرر بعضنا أن يرتاح ما ارتحت.

نعم، التهمة صحيحة!

أقرّ بأنني أعربتُ عن قناعتي بأن بشار الأسد أداة إجرام، وبأنه قناع إيراني، وبأنه شرّ مطلق، وبأن الموت رحمة له، وبأن عقله أصغر من حبة الخردل، وبأن كلماته هباء منثورا، وبأن وعوده كذبا محققا، وبأن نفسيته قذرة، وبأن استمراره عار على إنسانيتنا.

نعم، التهمة صحيحة!

أعترف بأنني حرقتُ مراكبي في عملية النيل من هيبة النظام السوري، وبأنني لا أملك خطة للتراجع، وبأنني باق في المواجهة ما بقي حبر في قلمي، وما بقي صوت في حنجرتي، وما بقي نفس في جسدي.

نعم، التهمة صحيحة!

النظام السوري لا يملك قدرة على صوغ قرار اتهامي بحقي. أنا أتولّى صوغه. أنا أتولى وضع وقائعه. أنا أتولى مناقشته القانونية .

قضاته خيالات. لا أحتاج ألسنتهم ولا كلماتهم. أنا أصدر الحكم بحق ذاتي.

إن سلّمتُ له، أموت أصلا، بلا أحكام وبلا قرارات وبلا مراسيم. العيش في ظلاله موت محتّم. في فضائه حتى الأوكسيجين منهوب. في فضائه لا توجد غير الملوثات. مراضاته سرطان يأكل ضميرك ويأكل إنسانيتك. مساحاته تصلح للخراف ولا تصلح للناس.

نعم، التهمة صحيحة!

كانت صحيحة حين كان يقتلنا بشار في لبنان.

كانت صحيحة حين كان ينهبنا في لبنان.

كانت صحيحة حين كان يظن بأنه يدوسنا بجزمته في لبنان.

وتبقى صحيحة، وهو يبيد شعبه بالكيميائي والكلور والمفخخات الملقاة من طائرات موته.

تبقى صحيحة، وهو يدمّر مدنه، ويحوّل الناس الى لاجئين سياسيين والى طالبي الأمان على قارعة الطريق في الدول المجاورة.

تبقى صحيحة والأطفال يموتون من الجوع ومن نقص الدواء فيما هو يتنقل، بابتسامته البلهاء، من قصر الى قصر.

تبقى صحيحة ولو تخاذل المجتمع الدولي، ولو خافت إسرائيل من بديله، ولو وهبته إيران كل شيعة الأرض، ولو منحته روسيا كل حقوق النقض، ولو استعملته الصين لكسر شوكة الغرب، ولو أهدته الكابيريهات كل مومسات الشرق.

تبقى صحيحة، ولو ربح ألف معركة، ولو اعيد انتخابه، زورا، ألف مرة، ولو أرسل ألف ميشال سماحة الى بيروت، ولو دعمه ألف حسن نصرالله، بألف مصطفى بدر الدين.

تبقى صحيحة، ولو أقفل الأثير بوجهنا لينحصر بحثالته، وبـألف خائف وخائف.

نعم، التهمة صحيحة!

هي صحيحة، وسوف أثابر على ارتكابها.

لا محكمة اللاذقية، ولا محكمة دمشق، ولا محاكم النظام العسكرية، ولا سجلات الإستخبارات، ولا كل الأمكنة التي تدرج إسمي في خانة المطلوبين، سوف تردعني.

لا خوف من حكم محاكم بشار الأسد. أخاف فقط من حكم الله ومن حكم....التاريخ.

أخاف من حكم الله والتاريخ، إن صمتُ على بشار وعلى جرائمه، وإن حكمت عليّ محاكم نظام بشار بالبراءة من تهمة النيل من هيبته.

نعم، وبكل اعتزاز، أقرّ وأعترف!

المصدر: يقال.نت