الإنهيار السياسي يسابق الإنهيار العسكري في العراق، ومن الواضح ان هذه الاحداث الكارثية هي نتيجة ما جنته سياسات نوري المالكي الاستئثارية، بعدما اختصر الدولة في شخصه فنسف أسس الوحدة الوطنية وعمّق الشعور المذهبي وأثار الضغائن والاحقاد.
عندما تساقطت صواريخ "داعش" امس على مطار بغداد، كان مجلس النواب قد اجتمع للتو بدعوة من المالكي الذي طالب باعلان حال الطوارئ القصوى في البلاد، لكن "ائتلاف متحدون" بزعامة اسامة النجيفي والتيار الصدري رفض الطوارئ في عموم البلاد وأيّده في المحافظات الساخنة.
الى هذا الحد وصلت خصومات المالكي وعداواته، لكن الوجه الآخر الكارثي ان العراق مع الإنهيار الدراماتيكي للجيش يدخل اليوم الفراغ الدستوري (على الطريقة اللبنانية تقريباً) بانتهاء ولاية مجلس النواب ومعها ولايتا رئاستي الحكومة والجمهورية، وهذا يعني ان الحاجة ملحّة الى عملية إنقاذ طارئة للوضع السياسي المهترئ، الذي يفترض ان يتخذ القرارات اللازمة لمعالجة الوضع الامني المتدهور مع تقدم "داعش" نحو مناطق جديدة ومع استمرار الانهيار المريع لقطاعات الجيش!
ملامح الكارثة تجلّت اساساً في كلمة المالكي الى العراقيين بعد سقوط نينوى والموصل، عندما وقف ودعا الى تشكيل جيش رديف من الاهالي والمتطوعين لمواجهة ما سمّاه "المؤامرة والخيانة"، ولكأن تشكيل الجيوش ممكن مع الزحف المثير والناس يهربون من بطش الارهابيين على ما حصل في الموصل.
الكارثي ايضاً ان المستوى السياسي في البلاد فشل في اتخاذ قرارات مهمة لمواجهة الإنهيار، فقد انتهى الاجتماع الذي دعا اليه رئيس التحالف الشيعي ابرهيم الجعفري وجميع القادة العراقيين بمن فيهم المالكي نفسه ورئيس البرلمان اسامة النجيفي، باصدار بيان ضعيف أكّد "ضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية ورصّ الصفوف ومواجهة الارهاب الوحشي بكل شجاعة والتفاعل مع ما تعرضت له مدينة الموصل العزيزة والاسراع في الاغاثة وتعزيز الامن"!
بدا هذا الموقف تافهاً مقارنة بالبيان الذي اصدره اياد علاوي الذي عبّر عن الصدمة من انكسار الجيش امام الارهابيين، محملاً المالكي المسؤولية بالقول: "لقد وقع المحظور الذي طالما نبّهت اليه غالبية القوى الوطنية الشريفة من عدم زج الجيش في الصراعات السياسية الضيقة، ومن التخبط في ادارة الحكومة وممارسة سياسات تقوم على الحزبية والطائفية الضيقة وتسييس المؤسسة العسكرية والامنية".
ولأن العراق على شفير الهاوية دعا علاوي الى تشكيل حكومة إنقاذ وطني واصلاح المؤسسات العسكرية والامنية، مرشحاً لرئاستها رئيس المؤتمر الوطني احمد الجلبي، الذي كان منخرطاً في سلسلة من المفاوضات المحمومة مع القيادات الشيعية، كما دعا الى ضرورة وقف القصف العشوائي على المدنيين في سياق الرد على "داعش" بما يخدم الارهابيين اكثر مما يخدم الدولة!