قبل عشرة ايام وصل الى الحكومة العراقية تقرير استخباري غربي مستعجل يحذّر من ان تنظيم "داعش" يستعد للانقضاض على نينوى. مثل هذه التقارير تذهب فوراً الى مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي يختصر الدولة في شخصه، فهو وزير الداخلية ووزير الدفاع ووزير الدولة لشؤون الأمن القومي، وهو المشرف على المخابرات وعلى جهاز مكافحة الإرهاب وكل الفروع الأمنية.

قبل اربعة اعوام اعلن الناطق باسم الحكومة علي الدباغ ان عدد القوات العراقية وصل الى ٧٠٠ الف، ٢٥٠ الفاً في الجيش و٤٥٠ الفاً في الشرطة، وان الانفاق العسكري تجاوز 20 مليار دولار، وقبل اشهر قيل ان عدد القوات وصل الى مليون.
في ٢٢ نيسان الماضي اعلنت واشنطن عن تقديم متطلبات طارئة لمعركة الأنبار هي ١٤ مليون قذيفة وسبعة آلاف نوع من الاسلحة بينها صواريخ "هيل فاير"، وأنها ستسلم العراق ٢٤ طائرة "اباتشي" ومقاتلات "ف ١٦"، وانها زوّدته خرائط تفصيلية عن اماكن وجود عناصر "داعش"، وقد تسلّمه طائرات "الدرون" لدعمه في معركة يجب ان نتذكر ان تنظيمات "الصحوات" القبائلية سبق لها ان انتصرت فيها، لكن الحكومة حلّتها لدوافع قيل انها مذهبية!
في ١١ ايار الماضي اجرى قائد القوات المركزية الوسطى الجنرال لويد اوستن ووفد من الضباط الاميركيين الكبار محادثات مع المالكي أشاد بنتيجتها بالخطة المتّبعة لتحرير الفلوجة، بينما اعلن المالكي انه وجّه ضربة قاصمة للإرهابيين من "القاعدة" و"داعش" ومن يتعاون معهم!
في خلال ٢٤ ساعة اجتاحت "داعش" نينوى وتكريت والموصل، وبدا الجيش العراقي المليوني وكأنه من ورق او من كرتون لونته أوهام المالكي، الذي اختصر الدولة بشخصه وخاصم القيادات السنية والكردية وقسم الصف الشيعي الى درجة ان اية الله السيستاني دعا الى التصويت ضده في الانتخابات.
اول من امس وقف المالكي ليعلن عن انهيار الجيش العراقي وهو ما يسميه انتكاسة، ويقول انه حصلت مؤامرة وخدعة، وليدعو من دون ان يرف له جفن، الى تشكيل جيش من المتطوعين في المحافظات، قائلاً نحن في مأمن بينما بدت الصورة امام العالم كله تقريباً انهياراً مريعاً للدولة العراقية.
المحيّر جداً انه جرى تسليم نينوى من دون قتال واستولت "داعش" على مخازن السلاح والآليات وبينها طائرات هليكوبتر وبدأت نقل الذخائر لدعم معركتها في سوريا، على خلفية ان دولة الخلافة ستمتد من نينوى الى حلب.
والمحيّر اكثر ان جيش العراق مليون و"داعش" عشرات الآلاف، وان المالكي رجل ايران ويحظى بدعمها وحمايتها وبدعم اميركا، لهذا يكون المرء غبياً جداً ليصدق قصة المؤامرة والخدعة، حين يرى ان ما يجري هو بداية تنفيذ "دومينو" التقسيم في المنطقة... والآتي اعظم!