لم يكن لبنان في حاجة الى جولة تفقدية خاطفة ولا الى مجاملات فارغة تشبه ذرف دموع التماسيح، فعندنا يا مستر جون كيري كثير من التماسيح ربما اكثر مما عندكم، ولا كان لبنان في حاجة الى حفنة من الكلمات عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، والى حفنة من الدولارات لمساعدته في مواجهة تسونامي اللجوء السوري.
يقول كيري انه جاء ليرسم صورة للتعقيد الذي سيتركه الفراغ على لبنان والدول المجاورة، ولكأن الذين يلتزمون صناعة الفراغ وتعميمه وترسيخه في مؤسسات الدولة، لا يعرفون ما سيتركه من تعقيد يتعمّدونه بهدف جر لبنان في النهاية الى كتابة دستور جديد، وفق توازنات تستند الى عنصر الإملاء والإستقواء، او لكأن واشنطن لا تعرف تفاصيل هذه اللعبة المدمرة التي يتقلّب فيها لبنان البائس!
كان من المثير فعلاً ان يبشّرنا كيري بأنه "يجب حل مشاكل العالم والمنطقة كي نستطيع ان نستمتع في بيروت ولبنان، وان لبنان دولة مهمة بالنسبة الى أمن المنطقة"، لأنه يعرف ان جزءاً كبيراً من مشاكل المنطقة والعالم هو نتيجة السياسات الاميركية "الباهرة" وآخرها في سوريا مثلاً، ولن ننسى فلسطين التي ابلغنا رفضه حكومة المصالحة فيها لأنه لا يعترف بوجود دولة فلسطينية، متجاوزاً الفشل الفاضح الذي انتهت اليه وساطته لإقامة الدولتين، ولم يتوان عن فظاظة تذكيرنا بالتزام اميركا حيال العدو الاسرائيلي!
اذا كان كيري يحرص على الاستمتاع في بيروت ويقول ان امن المنطقة من امن لبنان، فليس عليه ان يحلّ مشاكل العالم، ويكفي ان تتذكر واشنطن واجباتها السياسية والانسانية حيال المذبحة السورية، بالاحرى يكفي ان يقرأ تصريحات روبرت فورد سفيره السابق في دمشق، الذي حمّل ادارة اوباما مسؤولية الكارثة الدموية التي تدمر سوريا، ومسؤولية استيلاد الارهاب الذي سيرتد على اميركا والدول الغربية.
وعندما يزعم كيري ان بلاده تعمل لإيجاد حل سياسي متجاهلاً تقارير الامم المتحدة عن استخدام النظام السوري ١٦ مرة غاز الكلور الخانق ضد المدنيين، ويدعو روسيا وايران و"حزب الله" الى السعي لوضع حد لهذه الحرب، فمن حقنا الاستنتاج ان هذا كلام احدى جمهوريات الموز، وليس كلام وزير خارجية اميركا!
كان من المخجل حديثه عن تقديم مبلغ ٥١ مليون دولار لمساعدة لبنان على مواجهة اعباء اكثر من مليوني لاجىء سوري، بما يعني ان حصة الواحد منهم من هذا السخاء الاميركي لن تتجاوز ٢٥ دولاراً، ولعل من المعيب ان يصادف هبوط وزير خارجية اميركا في بيروت قيام بشار الاسد بتمزيق الحل السلمي ومؤتمر جنيف والذهاب الى الانتخابات، فلا يجد كيري في الازمة التي تتهدد المنطقة كلها ما يقلق سوى موضوع اللاجئين، وليس لجوؤهم سوى نتيجة عملية لتخاذل اميركا!