أثاره ومخطوطاته المتعددة الاهتمامات أثْرت المكتبة العاملية

وصف بالمؤرّخ والعلامة والأديب العاملي

كتب في الفقه والأدب وتعتبر مخطوطاته من الكنوز المعرفية المهمة

كاتَبَ قضاة جبل عامل وفارس، نظم الشعر وحقق التاريخ المحلّي

أثرى المكتبة العاملية والإسلاميّة بمخطوطات في الفقه والكلام والتاريخ، والأدب والشعر. كاتَب العلماء والباحثين في عصره موصوف بالعَالِم العَلَم. ذلك هو باختصار الشيخ علي سبيتي (1820 – 1885م). نأتي على ذكره في "عامليات" بعد أن أبصرت إحدى مخطوطاته النور مؤخراً.

مخطوطات العلاّمة الشيخ علي سبيتي تبصر النور بعد أن اهتدى إليها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، بالتعاون مع مجموعة معنيَّة ومهتمة بإحياء تجارب مركومة ولم يتسن لأصحابها نشر ما كتبوه في موضوعات وتصنيفات متعددة لأسباب مختلفة. وجرياً على عادته استحضر المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، التاريخ من نافذة التراث العاملي، يستقرئ ما كتبه التراثيون بطريقة منهجية واستئمان شفاف مفتوح على أمانة النقل، كترجمة حرفية للنص الأصيل ودون تعديل يذكر في المطبوع، أو حذف يتناسب مع ذهنية الطابع.

بين التوحيدي والّلِمع

وقد توزعت المخطوطات المطبوعة في كتاب عنوانه: "العلاّمة الشيخ علي سبيتي (آثاره الباقية)" (عن "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي" بالتعاون مع "دار الأقلام" ط. أولى 2010 بمواصفات متواضعة، على عناوين تبدأ بالرد على أبي حيّان التوحيدي، وتنتهي بلُمَع من شعر السّبيتي، وفي مقدمة الكتاب، أكّد أمين عام المجلس حبيب صادق، على ما جاء في القانون الأساس للمجلس، "المحافظة على التراث العاملي" والعمل على كشف كنوزه، ونشر أهم آثاره من المخطوطات القيّمة".

ويضيف قائلاً: "وبعد أن نشر المجلس خمسة عشر أثراً مهماً من المخطوطات العاملية يتشرف المجلس بأن يتقدم اليوم من الحرصاء على التراث العاملي بنشر مجموع المخطوطات العائدة للمؤرّخ واللغوي والأديب والعلاّمة الشيخ علي سبيتي دامت ذكراه علماً بارزاً من أعلام جبل عامل الكبار.

عاملي فذّ

وفي موسوعته "أعيان الشيعة" يقول السيد محسن الأمين: إن الشيخ علي محمد سبيتي (1820 – 1885م) العاملي الكفراوي – نسبة إلى قريته "كفرا" – هو عالم فاضل، نحوي، بياني، لغوي، شاعر، كاتب، مؤرخ، رأيناه فشاهدنا فيه الزهد والتقوى والصلاح والمجاهرة بالحق، وقال فيه الشيخ محمد بن مهدي مغنية: أنّ علي بن محمد السبيتي، كان شيخاً ورعاً تقياً بارّاً، وقد برز أمره في البيان والبديع والتاريخ والإنشاء، والعقائد والأديان والآداب وتواريخ العرب، وفي كتابه "عصر حمد المحمود" يقول السيد حسن الأمين: إن الشيخ علي سبيتي من أفذاذ جبل عامل المتميّزين.

الباحث الموسوعي

ومن قريته "كفرا" مروراً بقريتي "حداثا" و"النميرية" وصولاً إلى قرية "جُبع" حيث قرأ الشيخ على لفيف من العلماء المشهورين، حصّل مؤونة علمية مكنته من صرفها على مدار العمر، وضمن عدّة تصانيف في البيان والأدب، والعقائد، والتاريخ والمخطوطات التي تمّ طبعها من قبل المجلس الثقافي فيها سجال تاريخي نتركه وشأنه، لأنه يعبّر عن مرحلة تاريخية قد استنفد المعنيون كل طاقاتهم لتبيان صواب المذاهب، فيما ذهب إليه، من وجهة سير. لنقف على رصيف النصوص الأدبية، وما بين نثر الشيخ وشعره من لغة مشبعة بكثافة لفظية إنشانية تنتسب إلى المدارس اللغوية الكلاسيكية التي ترصف الكلمات بطريقة سجعيّة، وبشكل عسكري منظم ومنتظم.

مكاتباته

ففي رسالة كتبها الشيخ علي إلى السيد مهدي يوسف العاملي القاطن في بلاد فارس، ينسكب الحبر على سطور السفر، ليطلع البديع وسحر البيان، بريداً من اللغة المفتوحة على بطاقة الصداقة حيث يقول: أجلَّ سيّدٍ نبغَ من الشجرة الفاطمية، وأكرمَ حسيب طلع من الأعراق الهاشمية، طرازُ دوحة حسين وحسن، وعنوان ديباجة المفاخر والسُّنن، المستقصي أطراف المفاخر بدوائرها، مركز نقطة المحامد بمقادرها، المهدي بضياء إله الأنام خلفاً وسلفاً، ووردة رياض آل زهرة، يوسفيُّ الطلعة والنظرة من سلالة تلك العترة.

المحاورة والمجاورة

وفي مُكَاتبتِهِ ثانية إلى مصطفى سباعي بالشام يبدأ الشيخ رسالته قائلاً: حميد المآثر كريم الفخرة سليم الطّباع، جليل الشّيم، ناجحة المجد ويافوخهُ، وسنام الفخر وشمروخَهُ… ولقد وعدني قبلُ بوعد أخلفهُ مع أنه ما وعدني وعداً أسلفه وأخلفه. وفي نداء له حاضاً فيه على التعليم، يقول الشيخ: الأفيقة من نوم، ويقظة من غفلة وصحوة من سكرة تتعلمون بها مع من ملككم المحاورة، وتعرفون حقوق المجاورة، وتجيبونه إذا سألكم، وتخاطبونه إذا لها عنكم، أترضون أن تكونوا معه بُكْمٌ لا تنطقون وصمٌ لا تسمعون، إن أنتم إلاّ كالأنعام بل أضل سبيلاً… وهبْ أنه لا يكون لكل إنسان أبو حنيفة في الفقه، ولا ربيعة في الرأي، ولا الجرجاني في البيان، ولا سيبويه في النحو، ولا المتنبي في الشعر، ولا ابن مقلة في الخط.

من جواهر الشعر

يكتسب شعر الشيخ علي سبيتي بُعده الخاص في المحاكاة والمخاطبة وتطريز الأشعار بإبرة لغوية رفيعة، بحيث ترتدي أثواب قشيبة الألوان من المدح والرثاء والتراث، فأثناء إقامته في صور سنة 127هـ أرسل قصيدة لعلي بك الأسعد بمدحه:

إليك اشتياقي لا لزينبَ أو هندِ وفيك غرامي لا بسُعْدى ولا دَعْدِ

وما ليَ لا أهوى الفَخَار وسؤدداً هو الظِّل للضَّاحي وجدوى لمستجدي

ففكٌ لمأسور وإطلاق موثقٍ وإثراءُ ذي عُدْمٍ وإرغامُ ذي حِقْدِ

فكمْ راحَ يشدو في عُلاكَ ممَّلكٌ يجرُّ على وجه الثَّرى فاضل البُرْدِ

وفي رثاء أخته ينشد الشيخ:

يا رائحين سقتهُم كلُّ صادرةِ مُزناً تخالُ على حافَّتِها زَبَدا

حيثُ المُلَبون شُعثٌ ضجَّ هاتفهُمْ لبَّيك لبَّيك داعينا وما وَعَدا

لي فيكُمُ منْ بنات الصَّوْنِ واحدةٌ لا تعرفُ الإثمَ إذْ سوقُ التقى كَسَدا

يا تربُ كم أحَرَزَتْ بُوغاكَ جَوْهَرةً أعياد النُّقود لها نقْداً إذا نقدا

يدفعك شعر الشيخ علي السبيتي إلى القراءة لقصائد مثقلة ومصقلة وفيها الكثير من الإضافات على جواهر الشعر العربي وهي تعبّر عن ذهنية منفتحة على اتجاهات متعدددة في دورة الحياة.