فارس خشّان

قبل سبع سنوات، وفي منزل قائد الجيش في الفياضية، كنتُ جالسا مع العماد ميشال سليمان، في حديقة المنزل، نتحدث عن جدية التداول باسمه لرئاسة الجمهورية.

في غمرة الحديث، قال لي قائد الجيش يومها:" إذا وصلت الى القصر الجمهوري، فأوّل ما أتعهد به لنفسي، هو عدم التفكير بتمديد ولايتي الرئاسية."

وبعيد انتخابه، وفي إطار استقباله لي، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان:" أفكر منذ الآن، بنهاية ولايتي. لن أقبل بتمديدها."

وبدا واضحا لي من هذه اللقاءات، التي عادت لاحقا وتوقفت لأسباب "قاهرة"، أن رئيس الجمهورية يجد في "حزب الله" منافسا حقيقيا للدولة وأركانها، ولا سيما لرئيسها.

وبدا لي بأن موقفه الصلب المعادي للتمديد، يعود الى اقتناعه باستحالة وصوله الى نهاية ولايته، وهو على علاقة حسنة مع" حزب الله"، لأنه سرعان ما سيكون رئيس الجمهورية مدعوا الى الإختيار بين مصلحته مع "حزب الله" وبين القسم الذي أدّاه.

وكنتُ دائما، أدافع عن سليمان، بهذا المعنى، أمام سياسيين ينتسبون الى قوى 14 آذار، حيث كانت شعبية سليمان ضئيلة للغاية.

ومع انتهاء ولايته، لقد صدق ظني برئيس الجمهورية. صدقُ الظن هذا، يعود، حصرا، الى أن سليمان كان شفافا في التعبير عن نفسه.

وعلى امتداد ولاية رئيس الجمهورية، كنتُ أراقب أداء السياسيين معه.

كان يكفي أن يقول أحدهم إن سليمان يسعى الى التمديد، لأدرك أن علاقته متدهورة مع رئيس الجمهورية.

وحين، قرر "حزب الله"، كشف خلافه العميق مع رئيس الجمهورية، لم يجد ما يهاجم به سليمان سوى شن حملة عليه، بعنوان ...منع التمديد.

إذن، يخرج رئيس الجمهورية السبت من القصر الجمهوري ويطل الأحد في دارته في عمشيت، رئيسا سابقا، بعد ست سنوات من الولاية.

هو يخرج محميا بجمهور عريض. جمهور يحترمه، هو جمهور 14 آذار. وجمهور يتأثر به، هو جمهور النخب اللبنانية، التي بدا أن سليمان كان خير ممثل لها في رئاسة الجمهورية اللبنانية.

وهو يخرج خصما لحزب الله ومن يدور في فلك "حزب الله".

خروجه هو النقيض المدوي لخروج أميل لحود من القصر الجمهوري.

سليمان المغضوب عليه من "حزب الله" يخرج باحتفائية. كثيرون يريدون الإلتفاف حوله.

لحود الذي باع كل المبادئ لخدمة "حزب الله" والنظام السوري، خرج وحيدا. لولا حاجة "حزب الله" والنظام السوري الى تسجيل موقف ضد سليمان، بين الفينة والأخرى، لما زاره أحد ولما استصرحه أحد ولما اهتم به أحد.

الفارق كبير بين خروج رئيس كان أمينا لقسمه على الدستور، وبين رئيس كان أمينا لقسمه أمام "حزب الله" وبشار الأسد.

من البديهي أن يحل الفراغ حيث كان يجلس ميشال سليمان، فرئيس بمواصفاته تعجز القوى السيادية عن انتخابه، وغير رئيس بعكس بمواصفاته لن يرضى "حزب الله" بإيصاله.

من الصعب، حاليا الإتيان برئيس يبدأ من حيث بدأ سليمان العلني (سليمان الحقيقي الذي ظهر على الملأ في السنة الأخيرة من ولايته هو الذي عرفته دائما).

سليمان العلني، كان كجميع السياسيين في لبنان، يتعاطى مع الوقائع، ويتأثر بها، وينحني لها، حتى يتمكن في اللحظة المنتجة، من محاولة إفادة لبنان.

حاليا، يستحيل القبول برئيس لا يمدد لنهج السنة الأخيرة من ولاية سليمان. نهج الإستقلالية. نهج الدولة، صاحبة الموقف. نهج محاولة التوفيق بين الممكن ضمن مكوّنات بلد مستعصية على التفاهم والتلاقي.

يغادر الرئيس سليمان القصر الجمهوري، على وقع ضربات غضب "حزب الله" منه.

لن يحصل على وسام أرفع من ذلك.

الغاضب هو حزب يعمل لمصلحة إيران. إذن، المصلحة الإيرانية غاضبة.

الغاضب هو حزب يقاتل الشعب السوري تحت راية مذهبية. إذن القاتل والمذهبي هو الغاضب. الغاضب هو صاحب دويلة تحاول القضاء على مقومات الدولة. إذن التقسيمي هو الغاصب. الغاضب، هو حزب التهريب الجمركي، برا وبحرا وجوّا. إذن، السارق هو الغاضب.

الغاضب، هو حزب يُخفي المتهمين بقتل كبار الشخصيات اللبنانية. إذن، الإرهابي هو الغاضب.

فعلا، لن يحصل على وسام أرفع من ذلك.

مع ميشال سليمان، لم يعد القرار الى القصر الجمهوري. أساسا، لا قرار في أي من القصور الرئاسية، ولا في أي من المؤسسات الرسمية. القرار صادره، أصلا، حزب غزوة السابع من أيار. لكن مع ميشال سليمان، عادت الى القصر كرامة كانت مفقودة ، وكلمة حق كانت مسلوبة، وسلوكية راقية، كانت مذبوحة.

شكرا ميشال سليمان.

شكرا، يا من خططت لليوم الأخير منذ اليوم الأوّل!

المصدر: يقال .نت