عادة ما تختلط الأمور عند الحديث من موقع المنتقد لذكرى التحرير والانتصار، بمجرد ان تطرح سؤال بديهي : ماذا بعد هذا الانتصار ؟

هذا التساؤل الذي انما يراد منه كما هو بيّن، تناول مرحلة ما بعد الانتصار المحقق، لكن سرعان ما يحاول أصحاب الشأن وبالخصوص حزب الله ان يجعل منه مادة تشكيكية، بل واكثر من ذلك، فقد تجد نفسك انت السائل بموقع لست في وارد ان تكون فيه، لتوضع حينها في مقابل المقاومة والتضحيات والشهداء وحتى النصر نفسه، وقد لا يشفع لك تاريخك او ماضيك، حيث من الممكن ان تكون انت واحدا ممن ساهموا عمليا بدحر الاحتلال ومقارعة المحتل، في حين ان مصنفك بعد السؤال غالبا ما يكون من " المقاومجيين " الجدد ولا علاقة له فعليا لا بالمقاومة ولا بمن يقاومون!

وان كنت لا اعتقد ببراءة هذا السلوك وبردة الفعل على أي تساؤل يعتبر خطأ بنظر هؤلاء انه قد يوهن من ذكرى لا شك انها تاريخية، بل اكثر من ذلك فانا اعتقد جازما بان ثقافة الصد والمنع هذه انما تعمل لها عن سابق تصور وتصميم الماكنة الإعلامية الجبارة للمانعة ، لتجعل من أي سؤال مقارن يتناول أوضاع الناس لما قبل التحرير وبعده هو سؤال غير مفكر فيه، ومن المحرمات العقلية التي لا يجوز مقاربتها بالخصوص في أوساط ما يسمى بالبيئة الحاضنة, فتتجمد عجلة التفكير عند انجاز 25 أيار!

وهنا لا بد من التأكيد مرة جديدة ان هذا اليوم هو يوم مجيد حقيقي، يختزن في ذاكرة اللبنانيين والجنوبيين، الكثير الكثير من مواقف العز والتحدي والكبرياء والتضحية والكرامة، وتزدحم فيه صور الشهداء ومعاناة الاحتلال مع مشاهد البطولة والشجاعة، الا ان هذا كله لا يمنع البتة عن السؤال الان عن المياه والكهرباء وفرص العمل وهجرة شباب الجنوب والأوضاع الاقتصادية والتعليمية والطبابة و،و،و هذه الأسئلة جميعها التي يمكن اختصارها بالسؤال عن الواقع والمستقبل .

بل على العكس من ذلك تماما، فان يوم التحرير العظيم يجب ان لا يتحول الى مجرد ذكرى بطولية من الماضي، بقدر ما يجب ان يكون محطة مركزية للتأمل، ووقفة مع الذات تصان من خلاله كل محمولات ذلك اليوم وما قبله، هذا من اجل ان لا يصل بنا الحال كما حدث مع اثنين من كبار ضباط الجيش السوفياتي وهم في حفل احياء ذكرى انتصار لينينغراد وهزيمة الجيش الألماني ، وكان قد حضر الحفل حينها وفد عسكري من المانيا ،، حينها كان الفرق شاسعا جدا بين ما وصلت اليه المانيا من ازدهار وإعادة بناء ونظام سياسي يحترم الحريات وحقوق الانسان والتقديمات الاجتماعية مما خول المانيا لتحجز بعد سنوات قليلة على انتهاء الحرب مكانها المرموق في مقدمة العالم الأول، فيما كان لا يزال الاتحاد السوفياتي يتخبط بمشاكله الاقتصادية وتخلفه الإنمائي، فهمس الضابط الأول باذن صاحبه وهو يشير برأسه الى الوفد الألماني ويقول : بربك هل حقا نحن منتصرون ، وهؤلاء مهزومون ؟؟؟

ختاما فانا لا ادري اذاما وقف شابان جنوبيان الان على بوابة فاطمة والقيا بنظرهما ذات الشمال وذات الجنوب ، وسأل احدهما الاخر نفس السؤال , ماذا سيكون الجواب .