إن المخاوف من الطغيان والعدوان على الاخر ذكراً كان أو أنثى وتجاوز حقوقه موجودة في العائلة البشرية منذ أن خلقها الله تعالى.
والشريعة الاسلامية أخذت هذه المخاوف بنظر الإعتبار في مقام تنظيم شؤون الأسرة والعلاقة بين مكوناتها الأساسية التي تبتدئ بالرجل والمرأة وصولاً إلى المجتمع الكبير.
وقد أرست الشريعة الاسلامية جملة من القواعد التي تشكل حماية لأعضائها وإشاعة أجواء التراحم فيما بينهم، وإبعاد نظرات التمايز الموجبة للتسلط والإستعداء والإستقواء من طرف على آخر فقال سبحانه وتعالى:

( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً).
وقد أرست هذه الآية المباركة من سورة النساء قاعدة المساواة بين الرجل و المرأة في عالم الخلق والتكوين فلا تمايز في العنصر، ولا اختلاف في الجوهر بين الرجل والمرأة فهما من عنصر واحد ومن نفس واحدة فلا مبرر لنظرة الإستعلاء التي كانت سائدة في عصر الجاهليّة.
فهما في ميدان النسب الخارج عن قدرتهما وإرادتهما من أصل واحد كما قال الله تعالى: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى).
وفي ميدان العمل هما يخضعان لقاعدة العدل التي لا يضيع فيها عمل عامل من ذكر أو أنثى كما قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة...) ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى).
ولأنه قد يتوهم أن المرأة عليها واجبات وليس لها حقوق قال تعالى: ( ولهن مثل الذي عليهن) وقال أيضاً في تعبير آخر عن الحفظ المتبادل بين المرأة والرجل: ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).
فهذه الآيات ومثيلاتها تقرر قاعدة العدالة في الإستحقاق الذي لا منشأ له سوى العمل كما قال الله تعالى : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى).
فلا يأخذ الإنسان استحقاقاً لأنه ذكر ولا يُحرم منه لأنه أنثى وكما قال الشاعر الذي نظم هذا المعنى الإنساني الذي جاء به القرآن:
فما التأنيث لاسم الشمس عار .......... وما التذكير فخر للهلال.
ومن خلال هاتين القاعدتين الأساسيتين يجب أن نفهم قيمومة الرجل على المرأة في إطار تنظيم شؤون الأسرة والعلاقة الزوجية ، على أنها قيمومة إدارة في الحماية والرعاية وأداء الأمانة التي استؤمن عليها وليست قيمومة تسلط واستيلاء وتحكم. وقد جاء في السنة النبوية الشريفة أنّ:

( النساء شقائق الرجال) و ( أنه ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم).
وقد روي عن النبي عليه أفضل الصلاة و السلام قوله عن علاقة الزوج مع زوجه: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله).
ويفهم من هذه النصوص الدينية وغيرها أن الرجل الذي أُعطي القيمومة على المرأة، لم يعط السيادة عليها وإنما ألقيت عليه المسؤولية في المحافظة على تلك العلاقة بينهما من خلال شرع الله الذي شرعه بينهما والقائم على المساواة، وهذا يعني تحريم العنف ضد المرأة بكل أشكاله سواء كان عنفاً كلامياً أو عملياً لأنه اعتداء والله لا يحب المعتدين.

- الإصلاح والتأديب مسؤولية الجماعة:
وأما تشريع الضرب الوارد في القرآن الكريم فهو وارد في حالات نادرة وهي حالة النشوز الّذي لو ترك بدون رادع لأدى إلى فساد العلاقة وتهديم البناء الأسري ولذلك بدأت الآية بالوعظ والتنبيه على مخاطر تلك الحالة دفعاً للأفسد وللأخطر بالأقل فساداً وخطراً كما جاء في قوله تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا). وهذه الآية المباركة مقيدة بالآية الأخرى التي بعدها التي تفرض العمل للإصلاح بين الطرفين وهي قوله تعالى: ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً).
ومن خلال قراءة جديدة للنصوص من الآيات والروايات يمكن أن يقال بأن صلاحية الضرب ليست معطاة للرجل في حالة وقوع علامات النشوز لأنه قد لا يكون عارفاً بالواجبات الملقاة على عاتقه تجاه زوجه وقد يكون هو المخطئ فكيف يكون هو الحكم!!، وقد يكون الزوج هو من يحتاج إلى الموعظة وليست الزوجة فكيف يعطى له دور الواعظ والمؤدّب؟!!
ويمكن ان يشهد لهذه القراءة الجديدة على المستوى الفقهي أن الخطاب القرآني في الآيتين هو للجماعة وليس إلى الزوجين وحيث يكون الخطاب موجهاً إلى الجماعة فإن الذي يتولى الإصلاح والعقوبة والموعظة هي المؤسسة الناظمة للعلاقات الزوجية وهيئة الإصلاح الناظرة في الخلافات الواقعة بين الزوجين والمستفادة من قوله تعالى:

( فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) ومن قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير) سورة النساء.

-وأما السؤال عمّا يسمّى بجرائم الشرف فهي تسمية غير إسلاميّة وكأن المقصود من هذا الإسم التخفيف من أعباء الجريمة النكراء التي ترتكب بحق المرأة التي أخطأت وهي عادات جاهليّة بعيدة عن القيم الدينية والمبادئ الإنسانية. وإذا أخطأت المرأة في ذلك فيترك أمرها للهيئات القضائية ذات الإختصاص فهي ليست ملكاً ولا سلعة لوليّ امرها حتّى يتّخذ القرار بإنهاء حياتها والله تعالى يقول : ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً). وجاء في الحديث النبوي : ( الحدود تدرأ بالشبهات ) و ( من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر).