حتى وبعد ان صمت المدفع وخرس صوت رصاص الحرب الاهلية الملعونة منذ اكثر من عشرين عاما ، الا ان هذا لم يعني ان أزمات الحرب قد انتهت معها ، بل ان اكثر المتطلبات الحياتية ظلت غائبة عن متناول المواطن اللبناني بالرغم من الوعود الكثيرة التي قطعتها الحكومات المتعاقبة ولأسباب تكاد تكون معروفة عند الجميع ولا مجال لذكرها الان ، وامام هذا الواقع المحمّل بالازمات اعتمد المواطن بإيجاد بدائل يغطي بها تقصير الدولة عن أداء واجباتها اتجاه مواطنيها ، وهذا السلوك الفردي الذي طبع حياة كل واحد منا كان له الأثر السلبي الكبير في إضاعة حقوقنا البديهية وساهم بشكل فعال بنسف أي إمكانية لتحرك مطلبي جماعي قد غاب عن ساحتنا حتى صرنا نعتبره غريبا عن تقاليدنا ، فاللبناني مثلا ومن اجل حل مسألة انقطاع الكهرباء التي تعتبر من ابسط الحقوق عند كل شعوب الأرض نراه يلتجئ الى شراء مولد كهربائي خاص به ، بحيث بات مشهد هذه المولدات شبه طبيعي امام كل المحلات او في منزل أي لبناني ، او بأفضل الاحوال عبر الاشتراك بمولدات كبيرة صارت هي الأخرى واقع مشرع حتى رسميا ! والحال نفسها لعلاج ازمة انقطاع المياه حيث مشهد سترنات المياه الجوالة وهي تفرغ حمولتها بين الازقة وفي الشوارع هو جزء من المشهد اللبناني ! وهكذا فقد تعود اللبناني من اجل حل مشاكله الحياتية على الابداع في خلق مبادرات فردية بدل قيامه والانتفاض على المسؤولين والمقصرين وناهبي حقوقه ، والموضوع نفسه نراه يسري الان بخلفيته السيكولوجية في الضاحية الجنوبية ، فبدل ان نشهد حالة اعتراضية عامة والاستنكار لما سببته خيارات حزب الله الخاطئة مما جلب علينا الموت والخراب والدمار عبر دخوله في اتون حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، نشاهد أهلنا المساكين في الضاحية يلجؤون من اجل السعي الى التخفيف عن كاهلهم تجرع مرارة ما وصلوا اليه من تهديد اجرامي يدفعون هم ثمنه من ارواحهم وممتلكاتهم ليس عبر مطالبة الحزب بإعادة التموضع ومراجعة حساباته وهو الذي كان قد وعدهم سابقا بعدم السماح للوصول الى ما وصلوا اليه ، بل يقومون كل على حدا بتشييد متراس من أكياس الرمل امام متجره او امام مدخل بيته عله يحتمي به ، هذه المتاريس التي من المفروض ان تكون على الحدود الفاصلة بين لبنان وسورية اذا ما سلمنا بوجود خطر قادم من هناك حتى ولو لم يدخل الحزب كطرف في تلك الاحداث نجدها الان في قلب الضاحية ، وهنا يحضر بقوة السؤال القديم الجديد : متى سيفهم المواطن اللبناني بان السعي الى اجتراح حلول فردية لمعضلات ومشاكل عامة يعتبر ضرب من التخلف ؟ وان الموتير والسيترن وكذلك المتراس ليس هو الحل الحقيقي وانما هو الا شكل من اشكال عدم تحمل المسؤولية والهروب .