ثلاثة مشاهد مفصلية تلخص مسار التسوية - الصفقة في الإقليم بدءا من سورية وصولا الى لبنان، بالنظر الى هذه المشاهد يمكننا رسم صورة واضحة وجلية لما ستؤول اليه أمور التسويات السياسية في المرحلة المقبلة، خصوصا أنه على ما يبدو أصبحت التسوية ناجزة وبدأت بعض بنود الاتفاق الايراني الدولي تظهر. المشهد الأول هو الاتفاق الأولي بين ايران والدول الكبرى على قضية السلاح النووي، ولا شك ان ما دفع ايران الى التخلي عن مشروع سلاحها النووي هو الأوضاع الاقتصادية الصعبة ولتجنب انفجار ايراني داخلي، وخوفا من الانهيار وفق ما أعلن رئيس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، ولكن بالمقابل حصلت ايران على مكتسبات مالية وسياسية وحصص وازنة في كل من سورية ولبنان بالإضافة الى محافظتها على سيطرتها على العراق. المشهد الثاني يتجلى في الموضوع السوري حيث أبدت جميع القوى السورية، والدول الفاعلة والمؤثرة على الساحة السورية، وإجماعها على وجوب وأهمية المشاركة في مؤتمر جينيف ٢ ما هو إلا الخطوة الثانية لآفاق التسوية، والتي سيكون انعكاسها على الوضع السوري متمثلا بإزاحة الأسد عن السلطة وتشكيل حكومة انتقالية تضم بعض أطراف النظام ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء وممثلين عن أطراف المعارضة، والعمل فيما بعد على اجراء انتخابات نيابية ورئاسية ووضع دستور من الممكن أن يكون على شاكلة الصيغة اللبنانية صوريا، بحيث يكون الرئيس من الطائفة العلوية، ومجلس نواب موزع وفقا للأحجام  الطائفية والمذهبية، وحكومة كاملة الصلاحيات برئاسة سنية، وهنا لا بد من أن ينسحب هذا على اعادة هيكلة الجيش وأجهزة المخابرات. أما المشهد الثالث وهو انعكاس للتحولين الأولين على الواقع اللبناني، حيث التطورات المتسارعة التي شهدها لبنان بدءا من زيارة الرئيس نبيه بري الى ايران ومن ثم استقباله الرئيس فؤاد السنيورة بعد عودته، ومن ثم الحديث عن زيارة مرتقبة لبري الى المملكة العربية السعودية، تشير الى شمول التسوية للبنان، وكون بري يتخذ طابع تسووي، كانت زيارته الى ايران وعبرها تم وضع حزب الله جانبا كونه طرف خصم غير صالح لإنجاز التسوية، لكنها ستشمله، وهنا من المرجح أن تتمثل التسوية بتكريس المثالثة في مؤسسات الدولة عوضا عن المناصفة، وهذا من الممكن أن يبدأ بموافقة قوى ١٤ آذار على حكومة ٩- ٩- ٦ وذلك تحت مسميات عدة، أبرزها الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان ولسد الفراغ المستفحل. هذا السيناريو يصح، بحال صدقت ايران خلال فترة الستة أشهر قبل توقيع الاتفاق النهائي بينها وبين الدول الكبرى حول موضوع النووي، ولكن يبقى السؤال، ماذا عن مصير حزب الله العسكري في ضوء التسويات؟ وفي ضوء الحديث عن أن التسوية ستكون على حساب الحرس الثوري؟ والى أي مدى ستصمد هذه التسوية في ظل الرمال المتحركة في المنطقة ورفض الشعب العربي الرضوخ لأي وصاية أو ديكتاتورية؟