تهديد ووعيد وسقف عال، حتى حين القى التحية على مناصريه، هكذا كان مشهد السيد نصرالله في الخطابين الذين أطلق خلالهما مواقف نارية عالية السقف يومي التاسع والعاشر من محرم، بالتأكيد انه للحضور الجماهيري الحاشد تأثير مهم وأساسي على حماسة القائد، ما يمنحه ثقة زائدة تخوله الكلام بنبرة عالية. لا شك ان السيد نصرالله تعمد "الظهور" شخصيا بين المحازبين وذلك لشحذ هممهم وشد العصب لديهم خصوصا في معركتهم الى جانب البعث الظالم ضد الشعب المظلوم. كل شيئ في إحياء المراسم العاشورئية هذا العام كان كما سابقاتها لا شيء تغير سوى بند واحد كان كفيلا بإطاحة من يحييها بكافة قيمها، لم يتغير شيئ، المراسم ذاته، السيد نفسه بخطابه ذاته يحضر بين الجمهور، يوصف هذا ويمنح ذاك صك براءة أو صك الغفران، الكلام نفسه، والتقنيات نفسها، والمتغير الوحيد المتجلي بوضوح هو مناقضة مفهوم عاشوراء والإطاحة بقيم كربلاء. فبدلا من التشبث بمبدأ نصرة المظلوم على الظالم قلب حزب الله والسيد نصرالله المعادلة الكربلائية وهي الأقدس والأعدل والأطهر على مرّ الأزمان لما فيها من تضحية وإيمان بالوفاء. الإمام الحسين هو من قال أنه "لو كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني" اما السيد حسن حفيد الإمام اعلن بصراحة ووضوح انه لا تعنيه شورى ولا تعني مجالس ولا حقائب وزارية في مقابل بقائه وبقاء نظام القمع والإجرام في سورية، لم يعد السيد جنديا من جنود الإمام الحسين لإرساء العدل والحق، بل أصبح جنديا في جيش بشار الأسد، جيش يسحل شعبه بالدبابات لأنه طالب بالحرية، يقصف اطفال سورية بأعتى الصواريخ والطائرات لانهم قالوا نريد العيش بكرامة، ربما حصل سوء تقدير لدى السيد عن من هو الظالم ومن المظلوم في سورية. قبل إعلان الأمين العام لحزب الله عن مواقفه هذه، اطل علينا النائب محمد رعد، راعدا مهددا متوعدا، بقلب الطاولات وحز الرؤوس وقطع الأرجل، إن لم يتم السير وفق رؤية الحزب، وبعدها جدد رعد بهية طلعته معلنا أن لبنان كان بلد الملاهي الليلية والمقاهي والسمسرات، اما اليوم فيجب ان يكون بلدا يليق بالمقاومة، باختصار ما هو مفهوم البلد الذي يليق بالمقاومة، هل هو على النموذج الايراني؟ وهل استشار النائب رعد حلفائه في التيار الوطني الحر؟ بالامس أعاد كلام السيد نصرالله الى الأذهان حديثه قبل سنة ونصف تقريبا عن ضرورة الاتفاق على مؤتمر تاسيسي يعيد النظر بالكيانية اللبنانية وبتوزيع المناصب، بالامس عاد السيد نصرالله التأكيد على السير بهذا المنحى دونما إعلانه ذلك، بالمختصر كان السيد يريد ان يقول:" هناك معادلات جديدة في لبنان والمنطقة، يجب التأقلم معها والسير بها، فلننسى الطائف ولننسى المناصفة، ولننسى كل هذه الشعارات، ولنعيد البحث في كيفية تقاسم نظام الحصص اللبناني على قاعدة المثالثة، لان الميدان والواقع يسيران لصالحنا." ولا يمكننا إغفال إعلان السيد حسن نصرالله سابقا، بأنه وحلفاءه في حلف الممانعة والمقاومة انتصروا وهزموا المشروع التدميري للمنطقة، فغاب عن بال السيد أن بشار سلّم سلاحه الاستراتيجي في وجه العدو الاسرائيلي الى الشيطان الأكبر، وايران تلتقي مع الشيطانين الأكبر والاصغر وهي مستعدة للتنازل عن انتاج الساح النووي مقابل رفع العقوبات عنها، وبالطبع إعلانه انتصاره توجه السيد الى خصومه بالنصيحة يدعوهم الاستعجال الى التفاوض وحضور جينيف 2 والاسراع في الخضوع لإملاءاته في لبنان.. فهل من انتصر يستعجل التفاوض مع المهزوم؟ غاب عن بال السيد أن المظلوم سينتصر على الظالم ولو بعد حين، أيا كان الطغيان والتكبر والتجبر، ونسي انه لا بد أن الحياة هي من ينتصر. وهنا واستلهاما من الامام الحسين لا يمكن القول سوى أن في كربلاء انتصر الدم على السيف، وفي الشام أيضا سينتصر الدم على السيف والارادة على المدفع وسيعبق ياسمين حرية دمشق منتصرا على روائح الغازات السامة وكيماويات الأسد.