الحوار هو الذي يقوم على اكتشاف المساحات المشتركة بين الأديان في قضايا الإنسان والمجتمع والحضارة وقبول الآخر كما هو ، والسعي الى استيعاب "العولمة" التي قد تكون الرافعة الحديثة للمجتمع نحو المجهول .

هذا ما يقوله رجل الدين والمفكر اللبناني السيد هاني فحص في حواره مع "الاتحاد".

 

أين هي الدولة في الإسلام ؟

الإسلام دين أولاً ، ولا أحد يستطيع أن يصادر حق الدين في الإطلالة على حقول نظرية وميادين حياتية وعملية كالسياسة مثلاً ، ولا يستطيع أحد أن ينكر ضرورة التكامل بين الدين والعلم ، وهما مختلفان ، وبالتالي تكامل العلم الديني والعلم المدني ، أي أن المدنية داخلة في الدين والدين داخل في المدينة والمدنية والسياسة هي نظام حياة المدينة ، ولكنها شيء والدين شيء آخر ، إنهما إثنان ، ولا عيب في ذلك ، فلا داعي اذن للقياس على أزمة الغرب مع الدين وطريقة حله لها بالعلمانية الغربية ، أي الفصل الأفقي والعمودي بين الدين والدولة ، ومحاولة الدولة لاحقاً ، كما في فرنسا الآن ، تعدية علمانيتها الى الإجتماع ، أي علمنة المجتمع قسراً ، في حين ان التجربة أثبتت ان الدين أمر مكون لا يمكن إلغاؤه إلا بإلغاء الإنسان ، إذن فلا بد من التمييز بين الديني والسياسي ، أما الفصل التعسفي والقاسي فانه حل للإشكال بإشكال أشد تعقيداً ، علماً بأن التمييز المطلوب ليس له مستوى واحد ، فلا بد أن يتأثر بخصوصيات الدين والاجتماع الديني بين مكان وآخر ، فهناك نسب متفاوتة بتفاوت الشروط الثقافية والعلائقية وتفاوت النص الديني ودلالاته وطموحاته.

وهذا الكلام الإشكالي لا يمنعنا من تبسيط أحد مستويات المسألة ، وتلخيصها بأن الأخلاق شرط للسياسة ، ولكن الإخلال به يمكن أن يرمَّم وبكلفة كبيرة أحياناً ، أما الدين فهو يختزل بالأخلاق ولا يتحمل اللعب بمبانيه الروحية ، وهو حاجة دائمة لأنه تكوين وأصل ، إذن فلا بد من تحصين الدين من العدوى ، وذلك لا يتم إلا من خلال رسم الحدود المعرفية والعملية بين الدين والسياسة حتى لا تتحول السياسة الى آكلة للدين ويتحول الدين الى مأكول يأكله أهله ويأكلهم لأنه يكون قد أصبح أمراً آخر غير الدين . إذن فنحن نخشى من اختزال الدين في السياسة ، وعندئذ يبدأ السعي ، كما هو حاصل فعلاً ، في تهميش البعد الإلهي في النص والفكر الديني ، لقراءته على موجبات السياسة ، وتحويله من وظيفته في جمع المختلفين على التوحيد والإيمان ، الى تجزئة المتفقين بمقتضى التعارضات الحادة بين أنظمة المصالح السياسية .

 

إسلام وعولمة

في عصر الحداثة المستحدثة أي العولمة ، أين يقف المسلمون ؟

العولمة تتحدانا من هنا ، كيف نقف في وجه اجتثاثها لروح جماعاتنا بناء على التخلف والحاجة الى الآخر (الغرب) وكيف نستعيد أفرادنا بعدما ضاقت الجماعة عن استيعاب أفرادها بالمصادرة واحتدم الشوق الى الحرية . ومن هنا فإن من أهم مخاطر العولمة انها تتجه الى تحطيم النواظم في الاجتماع والدولة الوطنية ، فكيف نعيد إنتاج نواظمنا على شرط الحرية والديموقراطية والمعرفة وحقوق الإنسان ، من دون أن نستمر في إهمال الأفراد وتحويل الفردية الى لغم حضاري في حياتنا وسياقنا ، ومن دون أن نتراخى فنتيح للعولمة بمحمولها السلبي أن تحولنا الى أفراد مستهلكين من دون إنتاج ومستهلكين بالفتح من دون حساسية .

وإذا ما تنبهنا الى هذه المسألة وشروطها الإجتماعية والمعرفية والتنموية والعلائقية والإدارية والسياسية والتنموية ، فإن باستطاعتنا أن نتعامل مع العولمة ، أي مع الأفق الكوني المفتوح بمفتاح العلم والإتصال بشكل يحفظ اجتماعنا ونصابنا ويمكّننا من تحويل العولمة الى مشروع للإستحواذ علينا الى مشروع يتيح لنا استحضار أصولنا المكونة والأنفتاح النقدي على الماضي والحاضر ، لنؤهل أنفسنا الى الإستقلال والتكامل مع الآخر على أساس الإختلاف والإتفاق معاً . ما يعني انه لا بد من حفر موقعنا للمشاركة في أطروحة حضارية إنسانية مستقبلية على أساس التكافؤ مع الآخرين ، لا على أساس الدونية الممهدة للتبعية أي محو الذات في سياق الآخرين . ويمكن لنا الآن أن نغتنم فرصة استشعار أوروبا لمخاطر العولمة وانتباهها الى موقعها الثقافي الآيل الى التهميش لنتواصل من دون عقد مع أوروبا التي تتحرر من عقدها ، لنشكل معاً فريقاً متكاملاً على طريق إنتاج الأطروحة المطلوبة بتأن وروية ومن دون أوهام ، تحقيقاً لشروط نفرضها طوعاً على أميركا لنسلك مسلك الصواب في مسار العولمة .

 

ما بين الإعتدال والتطرف

السيد هاني فحص الحواري المعتدل ، هل من مبرر للتطرف في الإسلام ؟

الكلام عن الإعتدال والتطرف موصول بما مرّ من كلام عن الإسلام والدولة والإسلام والعولمة .. إن الطموح الى التوازن بين الدين والدولة يقتضي اعتدالاً بين متطرف يريد إلغاء الدين بالدولة ومتطرف يريد إلغاء الدولة بالدين ، والأول يلغي الدولة أيضاً والثاني يلغي الدين أيضاً . وهذه مشكلة التطرف التي تكشف أن المتطرفين وإن كانوا أعداء في ما بينهم فإنهم شركاء في المحصلة ، أما في الدين فلا إكراه في الدين ، والآية الكريمة لا تتكلم عن واقعة ، ليست خبراً وإنما هي إنشاء لحكم شرعي مشروح بالآية الأخرى ( أفأنت تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين) ، فإذا ما استبعدنا الإكراه ، الذي ينشأ عن وهم امتلاك الحقيقة كاملة ، أي الوقوف على طرف الحق المطلق مقابل الباطل المطلق (الآخر!) فإن الإعتدال أي الكون في منطقة تطل على جميع الآخرين وكل الحقائق ، هو الذي يحفظ الدين والإجتماع والحق والحقيقة التي كلما اكتشفناها اكتشفنا ضرورة التسوية ، ما يعني أن التطرف وأحلام الغلبة وإلغاء الآخر إنما تقع خارج الحقيقة والحق الديني . وإذا ما أردنا أن ننقذ أنفسنا من مخاطر العولمة والحصول على فوائدها من خلال المشاركة ، فلا بد من الإعتدال ، ولا بد للمعتدلين أن يتحولوا الى قوة لأن المستقبل بانتظارهم ، وإذا ما بقيت الساحة للمتطرفين فلا مستقبل لأحد ، والعبرة في التجربة الشيوعة ، لا بد من الوقوف عندها.

 

الحوار

الكلام عن الحوار بات مبالغاً فيه . أين أنتم بين صراع وحوار الحضارات ؟

نحن في لبنان جربنا الحوار في الحياة والمدرسة والدين ، فعشنا وتقدمنا وأنجزنا عمراننا وارتفعت منسوبات ثقافاتنا وأدياننا ، وتقدم مستوى الإلتزام في أوساطنا كمّاً ونوعاً ومن دون أوهام وبأعصاب باردة وبأفق إنساني ووطني . ثم جربنا القطيعة والحرب والموت المشترك لصالح من لا يريدون حياتنا وتذرعوا بأدياننا ومذاهبنا ليقتلونا بأيديهم وأيدي بعضنا بعضاً ويد الصهيونية تبعاً . وليت أمر الموت المتبادل بناء على الصمم المتبادل والقطيعة المتبادلة والجهل المتبادل ، اقتصر على الصف الإسلامي مقابل المسيحي ، ولكنه أكمل مشواره في الجريمة والموت وتشويه القيم وقتل الوطن والمواطن واغتيال المستقبل وتشويه الماضي ، فامتد الى الصف المسيحي المسيحي ، والاسلامي الاسلامي ، تقاتلت المذاهب وتقاتلت الأطراف داخل المذهب الواحد ومارست عنفاً أشد شراسة من العنف الأول .. إذن فالحجة ساقطة ، ولا بد من الإعتراف بالتعدد والإختلاف والقبول به لا على مضض بل كشرط لرؤية وحياة حضارية ووطنية متكاملة ، ولا بد من التنازل سلماً لأن الخسائر المترتبة على العنف والصراع أكبر بكثير ولا توفر أحداً .. لقد أسقطنا دولتنا ووطننا وعمراننا على رؤوسنا جميعاً ، نحن الآن داخلون في السلم الأهلي والداخلي والذي قد يعوض الخسائر ، ومصرون على تقديم أمثولة لأوطان التعدد حتى لا تنفجر كما انفجرنا وكما هي آخذة في الانفجار وللأسف .. مع خوفنا الشديد من تكرار التجربة السيئة .

والحوار في معناه الأول هو اكتشاف الذات في الآخر ومعاونة الآخر على اكتشاف ذاته فيك من دون إلغاء أي خصوصية والدين إن لم يكن هذا فماذا يكون ؟ ونصاب الوطنية هو الجامع الذي يؤكد الإيمان ولا يلغيه .. هذا الكلام له معنى اسلامي مسيحي . اختبرنا ثماره السائغة في الموقف المسيحي المسكوني الإيجابي بعد الحادي عشر من أيلول في مقابل الاتجاه المسيحي المتصهين .. وله معنى إسلامي إسلامي نحن مضطرون الى تعميقه وتطهيره على ضوء ما يجري في مناطقنا وعلى ضوء الوعيد الواضح بفتن طائفية قادمة إن لم نعجل في تحويل الحوار الى مؤسسة تتراكم فيها أفكارنا وعلائقنا واستشرافاتنا للمستقبل منطلقين من ان الخلافات الفكرية والفقهية بين المسلمين والمسيحيين وبين المسلمين أنفسهم لا تغطي العنف المتبادل في الماضي والحاضر والمستقبل وإلا فإن التطرف هو الذي يسود ، ولا ندري ماذا يبقى لنا إذا ما ساد التطرف ، من الإسلام والدين والوطن والمستقبل ؟ انه شأن مفكرينا وأهلنا الطيبين وشأن المجتمع والدولة حفظاً لكل منهما بالآخر .

لا بد أن نستعيد عقلنا وعلمنا وعشقنا للحقيقة والحق واستشعارنا لدورنا الحضاري وارادتنا في التكافؤ والمشاركة حتى لا نكون عالة على حضارتنا وحتى نغنيها بغنانا، وتعديل صورتنا النمطية في مرآة ذهننا وذهن الآخر لتمكينه من تعديل صورته النمطية عنا وعن ذاته . تمهيداً للدخول في مشروع حضاري كوني كناتج طبيعي لهذا التقدم العلمي الهائل ، السلم الاهلي في أي دولة أو قطر أو وطن هو الذي يرسخ العيش المشترك من خلال الحوار والتنازلات المتبادلة بين مكونات الاجتماع العام ، وهو مسألة ثقافية وسياسية في المستوى الثقافي ينتجه المجتمع الأهلي ، ولم يقصر مجتمعنا الأهلي في لبنان ماضياً وحاضراً في إنتاج سلمه ، ويشارك المفكرون والفنانون والأدباء وأعضاء فاعلون في مؤسسات المجتمع المدني في إنتاج وترسيخ السلم الأهلي ، ويبقى هناك دور محفوظ للدولة لم تمارسه سابقاً بل مارست عكسه ، فكانت الحرب ، والآن دور الدولة توقف عند إنهاء الحرب ، ولكنه لم يرتقِ الى مستوى ترسيخ السلم ، واستمر المجتمع في بناء سلمه الداخلي وعيشه المشترك ، وهذه ليست دعوة الى الاسترخاء ، لأنه من دون الدولة يكون كل شيء مهدداً ، إذن لا بد من دولة ديموقراطية تعددية تنموية معتدلة تنتجها طبقة سياسية آتية من كتلة تاريخية تمثل كل حساسيات الاجتماع اللبناني ، وتبني دولة بالجميع من أجل الجميع ، وتضع حداً للفساد وتعمل من أجل تنمية شاملة وهادئة آخذة في اعتبارها التعقيدات الإقليمية والدولية المستجدة وضرورة توكيد العلاقة الجدلية بين الثروة والمعرفة وبين الوطني اللبناني والمدى العربي .

 

المستقبل العربي

الأصولية والإرهاب عنوان مرحلة تحوط العالم الإسلامي والعربي . كيف تستشرفون مستقبل هذا العالم ؟

المستقبل العربي الذي نريده هو المستقبل المتحرر من الإحباطات التي تسببت بها الأحلام المبالغ فيها أو الأوهام . هو المستقبل الذي ننكب فيه على إنجاز دولنا الوطنية التي أهملناها لصالح الأطروحة القومية ، وإذا ما أنجزناها نكون قد هيأنا لدور عربي حقيقي ، دور التضامن بعدما أصبحت الوحدة التي نحرناها مستحيلة بسبب المصاعب التي تراكمت . ودور عربي يضع قضيتنا المركزية (فلسطين) في سياقها التاريخي الواقعي والعقلاني ، أي التضامن العربي من أجل تحقيق الدولة الفلسطينية ، على جزء من فلسطين (الضفة والقطاع) وتحويل مسارنا في التحرير من الإختزال في الحرب والعسكر الى التنمية والتقدم والنهوض وترميم دورة الإنتاج التي اهتزت بالحروب الخارجية والداخلية . إذن دور عربي يقوم على التكامل تحت ظل الديموقراطية والتعدد والمعاصرة والتحديث المحكوم برؤية حداثية لا تتنصل من الماضي ولا تندفع نحو المستقبل من دون دليل .

 

العراق وما هو قادم ..!

كيف ترون مستقبل العراق وماذا يحتاج اليه اليوم ؟

حتى الآن أكون قد تكلمت عن العراق وفلسطين كناية ، وإن كان لا بد من الصراحة ، فإني أقول هناك في العراق واقع مرّ بعد واقع النظام المرّ ، فماذا نفعل ؟ أقول أن العلاقة بالمحتل لا تقوم على الرفض المطلق ولا القبول المطلق خاصة وان النظام قد وصل بخراب العراق الى جعله بلداً ما دون الاجتماع فضلاً عما دون الدولة ، وهو يحتاج الى مرحلة انتقالية أعقد من العواطف الثورية ذات اليمين وذات اليسار ، ونختبر حالنا في العراق ، فإن استطاع المحتل أن يفهمنا ويلاحظ مستقبلنا وكرامتنا واستقلالنا ووحدتنا ضاقت مساحة المعارضة واتسعت مساحة التفاهم ، وإلا ارتفعت معارضتنا معاً ، من دون استثناء ، الى أعلى مستوياتها . والعراق بحاجة الى حالة عربية هادئة حوله تتعامل معه بكل مكوناته وتحل عقداً لدى كثير من الأطراف العراقية بسبب الماضي الملتبس ، وتساعد العراقيين أن تتحول وطنيتهم العميقة والعريقة عن طريق الشوفينية الى طريق الإنفتاح على العرب والعروبة ونسيان الماضي من أجل الإقلاع نحو المستقبل . وفي العراق الآن تحد كبير يلزمنا بأن نحتاط دون تحويله الى ساحة متفجرة ، تؤدي الى التقسيم والفتنة والعنف العشوائي المتنقل والذي لا بد أن ينتقل الى محيط العراق وعمقه إن استمر .

العراق ونحن حول العراق وفي عمقه العربي والإسلامي بحاجة ماسة وملحة الى دولة ديموقراطية تعددية للجميع لا تغرق في الأعداد والأرقام ولا تهملها وتتجاوز المفهوم والاداء الحاد للمحاصصة وتقدم نموذجاً وحدوياً يستوعب الماضي ويتجاوزه ، ينقي الذاكرة ويعالجها ويقيها من التضخم والأورام العصبية الخبيثة وينتقل من حالة الفاجعة والإختزال والمصادرة الى بناء المستقبل الصعب بما يقتضي من استعداد للفرح والمحبة .

 

من يريد أن يحرر فلسطين الآن يقدم خدمة للمشروع الشاروني

ماذا عن فلسطين ؟

فلسطين هي أحوج ما تكون الى رفع الوصاية عنها بعد أن تركناها وحدها .

ولا بد من دعم الشعب الفلسطيني للوصول من مسار الإنتفاضة الى مسار التسوية التي تؤمن حداً من الكيانية المستقلة تمهيداً للمستقبل ، والتسوية تعني التنازل المتبادل ، وبمقدار ما يكون العضد العربي قوياً حول فلسطين بقدر ما تتراجع قائمة التنازلات الفلسطينية . هذا ومن كان يريد أن يحرر كل فلسطين اليوم لا غداً ، فإنه في رأيي يقدم خدمة للمشروع الصهيوني .

 

آراء حول الدين والدولة والمرأة

يرى العلامة هاني فحص ان الدولة هي أعلى أشكال التعبير السياسي ، ومن هنا يأتي خطر الربط بين الدين والدولة ، وحتى لا نبقى أهل شعارات في هذا المجال ، فإننا مضطرون الى الرجوع للنص الديني التأسيسي (القرآن أولاً) لنقرأ المستوى النظري للمسألة ، ثم نعود الى التاريخ . تقديري أن النص الديني لم يصف دولة ولا حكماً ، لا شكلاً ولا آليات تشكيل ، وإنما وصف مجتمعاً وعدلاً هو شأن المجتمع أولاً وشأن الدولة كضرورة اجتماع لا صيغة ثابتة لها ، وتقدر بظروفها .

 

شكل الدولة والتاريخ

شكل الدولة قد يختلف جذرياً من تاريخ الى تاريخ واجتماع الى اجتماع ومكان الى مكان ، من دون أن نضع مثالاً منه خارج الدين وآخر داخل الدين ، ويمكن لأشكال متعددة للدولة أن تكون مقبولة دينياً إذا كانت العدالة رائدها والإنسانية مضمونها والديموقراطية طريقها والحرية شرطها .

 

العدل هو الغاية

الدولة التي تطبق ضروروات الاجتماع ، وتشكل مؤسسة جامعة للمكونات المتعددة هي الدولة التي يريدها الإسلام ، لأنه يريد وظائفها ولا يتسمّر عند شكل من أشكالها .. العدل هو الغاية .. وهو يترتب على مجموع غايات ووظائف لدى الدولة تتصل اتصالاً وثيقاً بمقاصد الشريعة (حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل).

 

الأيدي الآمنة

يمكن أن نكيف فقهياً أي دولة حديثة ونعتبرها دولة إسلامية أو دينية ونشترط عليها نسبة عالية من العدالة ، فإذا ما غلبت نسبة الجور والإستبداد والفساد (المسمى واحد) فإننا لا بد لنا أن نحتجّ وأن نعترض لأن ذلك من حقنا كمؤمنين ومتدينين وبشر مواطنين .. فيحين بذلك الوقت لتحقيق معنى الدولة بالتداول أي الإنتقال من يد غير أمنية الى يد تخضع لاختبار أمانتها ، أي عدم التمسك بنمط من أنماط الدولة ، باعتبار أن الإجتماع متغير فلا بد أن تتغير دولته بما هي ضرورة من ضروراته ، وليست شيئاً أو أطروحة ينزل عليها الواقع بل هي التي تنزل على الواقع .. نحن بحاجة الى نموذج ينقلنا من حال الفاجعة والإختزال الى بناء المستقبل .

 

المرأة والعقلانية

نصف المجتمع ، أمهات الرجال وشقيقاتهم .. استقالتنا من العلم وتعطيل عقلنا على مدى أكثر من ألف عام ، أدى بنا الى تعطيل ما لا يقل عن 95% من النصف الآخر ، من النساء ، وإذا ما أردنا أن نحيا ونكون حضاريين ونواصل انتماءنا العملي العلمي الى المشروع الإسلامي الذي قطعنا الطريق عليه بالجهل والتخلف والإستبداد ، فلا بد من أن نستعيد عقلنا فنستعيد بذلك ديننا وحياتنا واستقلالنا ونموّنا ، وعندما تتحقق عقلانيتنا تكون المرأة قد أخذت موقعها في عمارتنا الإجتماعية ، ما يعني أنها شرط حضاري لإجتماعنا ، وكفانا فهماً خاطئاً عند البعض للإسلام وفقهه وشريعته وأنظمة أفكاره وقيمه ، لقد أدى بنا هذا الى إلغاء مسلمات في فكرنا وتثبيت متغيرات في مناهجنا .

 

مزاجية جاهلية

ليس هناك جنس فوق وجنس دون . هناك مساحة مشتركة هي الأوسع بين الرجل والمرأة وهناك خصوصيات لكل منهما لا يجوز أن نعتبرها عيوباً ودليلاً على عدم الأهلية في المرأة ونعتبرها دليلاً على العكس عند الرجل ، هذه مزاجية جاهلية . وبالعودة الى عمق نصّنا الديني وغائياته الإلهية والإنسانية نكتشف أن المتغير التاريخي لا بد أن يستتبع تغييراً في الوعي .

 

المرأة والوظيفة الحضارية

نكتشف أن حصر شأن المرأة في الحياة العامة في حدود معينة ، إنما كان سببه المتغير الذي تغير لصالحها ، إذن فليس هناك من وظيفة ممنوعة على المرأة ، والأساس هو الكفاءة . وإذا ما أعدنا النظر في حركة الفقه ومبانيه ، فإننا سوف نكتشف أن بعض الفقهاء قد حولوا الفقه من فضاء الى حصار ، خاصة فيما يعود الى الحياة الزوجية وسعي المرأة وشوقها الى تحقيق ذاتها .

 

 

 

مجتمع أنثوي مهيمن

يقول العلامة فحص : لي تحفظي بخصوص المرأة وحريتها استمده مما يدور في الغرب الآن وبعد (الجندر) أي الوصول بحرية المرأة وحقوقها الى مستوى البرنامج والمشروع العالمي ، فأتصور وكأننا أمام مشروع انقلاب يتسم بالثأرية . أي أننا قادمون على مجتمع أنثوي مهيمن مقابل لمجتمع ذكوري مهيمن . وهذا خطر آخر وأقسى . لأن موقع المرأة أشد عمقاً وحساسية من موقع الرجل . انها مكان الحياة والحب والجمال ، انها العامل الأول في التوازن والإنسجام ، والعملية الإنقلابية لا تنفعها ولا تنفعنا . لا بد من إعادة الذكورة الى وعيها وحجمها ، لا أن نستبدل بها أنثوية تكون تعبيراً عن ذكورية أخرى في سلبيتها . ليس هناك مطلق والذكور وقعوا وأوقعونا في المطب عندما تصوروا أن هناك مطلقاً ذكوري. لا بد من النسبية في كل شيء.

ولا بد من الحذر من تقديس التاريخ .. لأن التاريخ غير مقدس وحتى معرفة المقدس ليست مقدسة .. إذن فالنسبية والإعتدال والتوسط والتسوية هي الحل .. وما من تسوية نهائية وكل تسوية تحتاج الى تسوية .. وهذا جدل الحياة .. والمرأة وهي تعني الطفولة بمعنى من المعاني ، هي مصدر الحيوية في هذا الجدل .. فلا يجوز تجفيفها بردود الفعل لأن ذلك تأكيد آخر على الذكورية بمعناها المرَضي .