بين النموذج المختلف عليه ومعه في ايران جدا جداً – مثلاً – وبين تقليده أو نسخه المتفق على عدم إمكانه او جدواه وعلى مخاطره وحتمية فشله والكوارث التي يتسبب بها .. مسافة لا يتخطاها الا عميان البصيرة ، او من عيونهم وراء رؤوسهم والى أعلى ، لا الى السماء ، بل الى الفراغ والمجهول . ولا الى الأرض الحاشدة بالأسئلة والتحديات والعوائق والدم وشهوات القتل والتمثيل بالجثث والشعوب والاسلام  .

 

على أي تجربة واي أطروحة (غير الاسلام هو الحل) حل ماذا ؟ وكيف ومع من ؟ وبالفرقة الناجية وحدها والتي من أجل أن تطمئن الى نجاتها وحدها ، تكفر غيرها ، سنية وغير سنية ، وتقتلها ! وعلى أي برنامج ! وهل تكفي أو تتحمل العقيدة الاسلامية والعواطف المشبوبة والشهوات المعتقة الى الجاه والمال والسلطة لإقامة دولة قوية عادلة ومطلبية وتنموية وتعددية ؟ ولماذا انتهاك العقيدة الثابتة والمبدئية ، وتحميلها ما لا تحمل من السياسة المتغيرة والذرائعية ؟ وهل تكفي غيرة السيدة العاقر من الحبلى للحبل الا بالوهم (قاعد) كما في الثقافة الشعبية الجزائرية .. أو منقول في أحسن احتمال وأبعده !

 

ان الدولة الايرانية ، التي قد يتفق معها أي منا ، لأسباب مبدئية في نظره ، أو عصبية لشيء ما  ، وقد يختلف معها مبدئياً ايضاً ، أو في أدائها وسياساتها ، أو لأنه محروم من نعمها ومعلومها ، كانت ثورة أسقطت نظاماً لا خلاف على استبداده وفساده وانحيازه للصهيونية وعدائه للعرب (من دون أن نطمئن حتى الان أن تصحيح هذا المسلك قد تم في العمق على الرغم من الانجازات التي حدثت وهي عرضة للإحباط نتيجة المزيد من استشعار القوى لدى السلطة في ايران ، والمزيد من الشعور بامتلاك الحقيقة والحق في تغليب النفوذ بالشراكة مع الأنظمة ، على الدور والشراكة مع الشعوب أو بعضها .

كانت ثورة اذن ، وخاضت حروباً  كبرى وصراعات داخلية واسعة ومستمرة ، في حين كانت تبني دولة مع اختلاف عميق على طريقة بنائها وأهدافها وادائها .. وبنت دولتها ومكنتها بعد عقود من المعارضة واكتساب الخبرة والخطأ والخسارة .. وعانت وتعاني من فساد وتعقيدات ونقص أو انتقاص حريات سياسية وفكرية ومغامرات وقمع للمعارضات .. ولكن البعض توهم ان سبب نجاحها في بناء الدولة ، هو اعلان اسلاميتها وولاية الفقيه (معادل الخلافة العظمى على الرغم من ان السقيفة حسمت الأمر بالتفريق بين الديني والزمني واعتماد الانتخاب ، على خلاف طبيعي ، في تعيين الحاكم (الخليفة) .. وهي بالرغم من خطاب عدد من قياداتها الكبرى الذي يقلل من شأن المواطنة ، وهو وطني ايراني حتى العظم من دون عيب ، إلا الشوفينية ، هي دولة وطنية ايرانية ، ونحن نريد لها أن تتقدم اكثر على طريق وطنيتها لعلها تشاركنا من موقع النجاح بدل الطموح الحامض الى النفوذ غير المحبب وغير المجدي لإيران وأصدقائها وجيرانها .. والعرب منهم خاصة .. دولة وطنية تستثمر اسلاميتها وشيعيتها حسب الضرورة ، ودولتها استمرار معدل او مكيف فقهياً لدولة قديمة وعميقة بصرف النظر عن العدل والجور .. فاين يذهب هؤلاء الطارئون على التاريخ المختزلون الاسلام بالدعاية والدعابة والمنبرية ؟ وماذا يفعل الخليفة الجديد بعدما أقام خلافته على الغاء الوطنية ، ما لا ينسجم ابداً مع معنى الوحدة المركب والإشكالي الذي يقتله التسطيح والابتذال والبؤس الفكري وظلم الاسلام والفقه والفقهاء باختزال العلوم الدينية الانسانية والروحية بفتاوى حصل تغيير عميق في موضوعاتها وصارت أحكامها اشد تعقيداً من هذه السذاجات القاتلة وشهوات السلطة .