"ياما في السجن مظاليم" ما أصدق هذه العبارة وما أوسع انتشارها في مجتمعات أكثر ما يصيب في التعبير عنها، هو وصفها بأنها ظاهرة صوتية. هكذا وبكل بساطة، وبسبب سذاجة مجتمع ومراهقة كتبة ومستكتبين، تسللت موجة التكفير الى عمق نهج من يدعي محاربتها، وعبدت طرق السماع بهم أو القراءة لهم. هكذا وبكل بساطة، يهدر دم انسان أو أكثر لمجرد موقف سياسي، وفي همروجة إعلامية مغرضة يجرد شخص من حقوقه المدنية، وهذا ما حصل مع صبية بعمر الورد دفعت سنة ونيف من عمرها ظلما على مذبح أحلامها. غرام نورس الحسين من مواليد حلب ١٩٨٩ المعروفة "بغرام كراكاس" أو بطلة "غرام وإنتقام" وما نسج حولها من "أفلام" أنتجتها مخيلات أقبية سوداء. موقع لبنان الجديد وبعد إجرائه مقابلة حصرية وحديثا مطولا مع الثائرة غرام الحسين بعد خروجها من السجن وصدور حكم البراءة لصالحها سيحاول في متن هذه السطور إعادة بعضا من حق غرام المنتهك.

ليل الرابع والعشرين من أيار ٢٠١٢ دخلت غرام الى منزلها الكائن في الطبقة السابعة في إحدى بنايات كراكاس في بيروت، لتأخذ أغراضها والانتقال الى مسكن جديد، ألقت السلام على صديقها الذي يشاركها السكن في تلك الشقة، دخلت غرفتها حزمت أمتعتها ومشت، نظرت الى يمان سليماني وألقت عليه تحية الوداع، كان يمان ثملا لا يستطيع الوقوف، شاهدت الى جانبه في الصالون صندوقا يحوي قنابل يدوية وطلقات رصاص، طلب منها زجاجة مياه فلبّت،اتصلت بصديقها سامر أبي عقل مستعجلة مجيئه لمساعدتها بنقل أغراضها، أخذ يمان زجاجة المياه شرب قليلا واستحم بما تبقى، أيقنت غرام أنه غير متوازن وليس بكامل قواه العقلية، وحين سألته ما بك طلب منها الماء ثانية فلبّت وفعل كما المرة السابقة. " كان سكران ومتوتر" قالت غرام لموقعنا مضيفة :" سألته شو باك وليش هيك عامل بحالك، ما رد، كان سكران وآخد حبوب كتير بس ما قال لي شو نوعها، قلت له بأني سأنتقل الى سكن جديد، رفض ونهرني وقال لي إنه سيسافر بعد عشرة أيام وبإمكاني البقاء في المنزل، لكني رفضت." عن سبب مغادرتها المنزل تقول غرام "للبنان الجديد":" قبل يوم من وقوع الحادثة حصل إشكال بيني وبين يمان، كان حينها سكران وبيده سلاح، حينها صرخت وسألته، لماذا يوجد سلاح في المنزل ومن أين أتيت به؟ فلم يجب واتهمني بأني مع المخابرات السورية وهددني بالقتل وعائلتي، على خلفية هذا الشكل قررت الرحيل. فيما كانت غرام تودع صديقها، رن جرس المنزل كان سامر هو الطارق، فتحت غرام الباب وطلبت منه البقاء خارجا لتفادي حصول إشكال، وإذ بيمان يأتي حاملا سلاحه ليمنع غرام من المغادرة خوفا من أن تبلغ الشرطة بما رأت، صرخ يمان بوجه سامر شتمه، فتشاجرا وتضاربا، هربت غرام محاولة الاستنجاد بأحد الجيران، واذ بها تسمع بصوت اطلاق نار، قتل سامر بعد إصابته في صدره، حاولت غرام التسلل لمعرفة ما حدث فلم تفلح، بعد فترة وجيزة وصلت قوة من الجيش الى المكان محاولة مداهمة مكان إطلاق النار، فتعرضت لإطلاق نار من داخل الشقة وألقي عليها قنابل يدوية، حينها اتصل يمان بصديقه هاني الشنطي مستنجدا والشنطي كان مسجونا بتهمة انتمائه الى مجموعة ١٣ التي اتهمت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لكنه خرج من السجن بعد تبرئته، هاني كان قد تعرف في السجن الى يمان سليماني... حضر الشنطي ولدى وصوله شاهد الاشتباك الحاصل بين صديقه وقوة من الجيش اللبناني فأطلق النار في الهواء وتسلل الى مدخل المبنى محاولا مساندة صديقه. تصاعدت وتيرة الاشتباك، ركضت غرام الى أحد العناصر الأمنية مستنجدة، فأخبرته ما شاهدت، فساقها العناصر الى مخفر حبيش... فيما الاشتباكات بقيت مستمرة، أصيب الشنطي وألقي القبض عليه وبعد ثماني ساعات من الاشتباك دخل الجيش اللبناني الى الشقة ليجد سليماني مقتولا وجثة سامر ابي عقل على الشرفة. اتهمت غرام بجرم محاولة قتل عناصر عسكرية، واتهمت إعلامية بالإضافة الى سليماني والشنطي بتشكيل عصابة لتنفيذ عمليات إرهابية، عند سؤالها عن التهمة تضحك باستهزاء وتجيب:" لو أن هذا الكلام صحيح لم أكن أجلس هنا وأقابلك، ولم أخرج من السجن ولم يصدر حكم يقضي ببراءتي، إتهمنا بأننا ننتمي الى القاعدة، كيف ننتمي الى القاعدة وأنا لست محجبة؟ ونحن نشرب الخمر ونعيش حياتنا بشكل طبيعي؟ حسب التحقيقات تبين أن يمان سليماني كان مطلوبا لمخابرات الجيش لكن غرام تؤكد جازمة بأنها لم تكن على علم بذلك، وتشير الى أن يمان أخبرها أنه كان يعيش في دبي وأتى الى لبنان للسياحة، ولكن بعد توقيفها علمت من خلال التحقيقات أن سليماني كان مسجونا، والتحقيقات أكدت عدم معرفتها بكل هذه التفاصيل. تعترف غرام بأنها طيبة القلب وطيبة قلبها أدخلتها في ورطة كادت تدفع حياتها ثمنا بسببها، لكنها تستغرب كيف أن يمان لديه اسم مستعار هو فادي ابراهيم، وأنه له ارتباطات مشبوهة:" كان هادئا ومهذبا، ولم يكن يصدر عنه أي تصرف مريب.. خرجت غرام من السجن، وكأنها تولد من جديد، ولكن يبقى في قلبها حسرة لما كان يجري حولها دون علمها، وتشعر بحنق لظلم نال منها ومن حياتها، فقد دفعت سنة وشهرين من عمرها ظلما، وبعد هذه المدة أصدرت المحكمة حكما يبرئ غرام ويدحض كل ما أشيع ونسج عنها، ولكن من يعوض على الشاعرة غرام ظلم أيام السجن والتشهير الذي تعرضت له؟ سؤال يبقى برسم إعلام الممانعة وحلفاء النظام السوري الذين يجهدون لتكفير كل من يخالفهم الرأي.