جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي ، كان المفترض أن تخرج عن إطار الحسابات السياسية الضيقة لتبقى في مستوى المهمات الإنسانية والوطنية التي عُقدت من أجلها،.


الإصرار على تسييس الجلسة، وإضفاء مساحيق الميثاق والدستور عليها، إنتهت بكشف حجم الكيدية والحقد والكراهية التي تتحكم بمواقف بعض الأطراف السياسية، وخاصة التيار العوني، الذي ظهر وكأن صحة آلاف العائلات لا تعنيهم أمام سياسة الإنكار والعناد التي مازالوا يمارسونها منذ وجودهم في السلطة، وبعد خروجهم منها، والتي لا تُقيم أي إعتبار للمواطن اللبناني، الذي واجه أقسى الأزمات في عهد العماد عون، ووصل إلى جهنم في العهد القوي . 


شكلت مقررات جلسة مجلس الوزراء الاخيرة انتصاراً للمواد الدستورية التي تكرس مبدأ عدم جواز حصول فراغ في السلطة عند حصول شغور في موقع رئاسة الجمهورية، والتي اجازت للحكومة سواء كانت كاملة الصلاحيات بحيازتها على ثقة المجلس النيابي، وكانت مستقيلة وفي وضع تصريف الاعمال بمعناه الضيق، مع اجازة الدستور لها بعقد جلسات لمجلس الوزراء لاتخاذ قرارات لمعالجة الامور الهامة والطارئة. ويعود الفضل في تجاوز العقبات والحواجز التي نصبها التيار الوطني الحر والرئيس السابق ميشال عون من أجل منع انعقاد الجلسة الطارئة بحجة انها فاقدة الميثاقية، الى مدى وعي الوزراء الذين أمّنوا نصاب الثلثين للجلسة، وهو النصاب اللازم لجلسة قانونية وفق نصوص الدستور والنظام الداخلي لمجلس الوزراء. 


إن أحداً من المهتمين بالاوضاع اللبنانية لا ينغش بما يرى، غير أن المشكلة ليست في ضعف الرؤية بقدر ما هي في رفض التعلّم والاتعاظ. ومع أن الأعراف والمواثيق، وكذلك القوانين التي يتصدرها الدستور اللبناني، تشدد على أسس العيش المشترك وروحيته، يتوجب على حكومات تصريف الأعمال، تنفيذ ما ينص عليه الدستور، أي بالتحديد تصريف الأعمال، أما السبيل الوحيد لمنع الاستمرار في حكومات تصريف الأعمال فيكمن ببساطة في إنهاء مبرر وجودها، أي الشغور في رئاسة الدولة. ذلك أنه بمجرد ملء هذا المنصب يتوجب، دستورياً، على الرئيس الجديد الدعوة مباشرةً إلى مشاورات برلمانية مُلزِمة، تنتهي بتكليف رئيس حكومة أصيل يشكل حكومة أصيلة بصلاحيات كاملة . 


في العام 2016، تفاءل المسيحيون عامة، الموارنة خاصة، مع اتفاق " معراب " بين ميشال عون وسمير جعجع، على الحكم بكل ما يتضمنه من مغانم على رأسها رئاسة الجمهورية .


احتفل كثيرون حينها بحجز المسيحيين مقعداً رئيسياً في الخريطة السياسية اللبنانية، وطي مرحلة الإحباط وصياغة نقطة تحول في تاريخهم الحديث هم يستأهلوها بالعودة إلى طبيعة الدور المسيحي في تأسيس الكيان اللبناني، والذي شكل شرطه العيش المشترك بين اللبنانيين تحت رعاية الكنيسة المارونية بزعامة البطريرك الياس الحويك.


لكن مع الوقت اتضح أن فجوة عميقة تفصل بين طبيعة الدور المسيحي في لبنان، وذلك الذي أفضت إليه حكايتهم مع هذا الكيان اليوم بعد أن تبين أن ما حصله هؤلاء، إن كان في رئاسة الجمهورية أو في الحكومة أو في كل مكتسبات السلطة، لا يعدو كونه حصة في كراسي السلطة، بينما القضية تتجاوز ذلك بكثير ليكونوا أصحاب دور في مصيرهم كما مصير الكيان .


لم يكن عقد جلسة الحكومة سوى مثالاً عن عدم قدرة القوى الممثلة للمسيحيين في الحكم على التأثير في القرار ، والتيار الوطني الحر الذي اقدم على المغامرات والارتباطات، والتي أسهمت في الوصول الى عقد تحالف مصلحي انتهازي أوصل لبنان قبل سنوات إلى ما وصل إليه؛ إذ تلاشت الدولة ، وتبخرت السيادة أمام منطق حلف الأقليات. 


مع الشغور الرئاسي المتكرر ومضي حال السلطة في شكل طبيعي من دون الرئيس الماروني، سيكون طبيعياً عودة حديث الإحباط المسيحي الذي تكرس بعد الحرب وسط مقولة غالب ومغلوب. 


هذا، باختصار شديد، منطق الأشياء في أي بلد سوي، ومع أي طبقة سياسية وقاعدة شعبية يتوافر فيهما التوافق الحقيقي على هوية البلاد، ومصيرها. لكن ما يعاني منه لبنان جملة من الازمات المتناسلة، ابرزها
أنه ليس بلداً سوياً تتفق مكوناته على هويته ومصيره


أنه لا وجود عند هذه المكونات لثقافة متجذرة تؤمن صدقاً بالعيش المشترك غير المشروط وغير القائم على الغلبة.


أنه حول التعددية، التي غدت في العديد من دول العالم قيمة ثقافية ومناعة سياسية، إلى سلاح هدم لكل المفاهيم المؤسساتية، من تنزيه القضاء إلى الالتزام بتطبيق الدستور .  


عبثيات من هذا النوع قد تبدو استغباءً للناس، لكنها للأسف قابلة للتصديق، بل لا تقبل الشك بالنسبة لبيئة مدجنة ومروضة تصدق أي شيء من مرجعية تعتبرها فوق مستوى البشر. وعليه، يستحيل توقع أي تغير في سلوك هذه البيئة ام تلك .


إن خطاب حقوق الطائفة والميثاقية ومقام الرئاسة، مع الاحترام للمرجعيات الدينية المسيحية التي تكرره، لا يجدي نفعاً، إذا ما واصلت السكوت عن المقامرين بمصير المسيحيين، والتغاضي عن رهاناتهم ومغامراتهم وأنانياتهم وفسادهم .


ختاماً إن المطلوب من الجميع اليوم سلوك مسؤول وتاريخي من هامات أعلى وأكثر وعياً، حري بها إدراك أن لا بقاء لكيان لبنان إذا ما تم التفريط  في لبنان الوطن .