ما جرى ويجري في كواليس واجتماعات الائتلاف الوطني السوري المعارض، ولا سيما ما سرب في الآونة الأخيرة من معلومات وصور عن كيفية الاختلاف على الحصص والتناهش على تحصيلها، يكشف عمق الحضيض الذي يقبع فيه من يسّمون أنفسهم بقادة المعارضة أو مسؤوليها، هذا الائتلاف لا يحوي من اسمه سوى أحرفه المكونة له، فهو معقل الاختلاف والخلاف، ومركز التفرّق والتشرذم على الأصعدة كافة، سواء على صعيد تشخيص الأزمة أو الموقف من النظام أو مصير بشار الأسد وينسحب الاختلاف أيضاً على كيفية اتخاذ القرارات والمواقف، للأسف فإن هذا الإئتلاف والذي ولد من رحم تنظيم متشرذم هو المجلس الوطني السوري، لم يولد بناءا على قناعة وإرادة أعضائه وللأسف أيضاً أنهم ليسوا على مستوى تمثيل ما يمثلون، فقد ولد الائتلاف بناء على ضغوط دولية وتدخلات عربية وتداخلات مصالحية، وفي وقت تنعكس هذه الاختلافات سلبا على الثورة السورية، ما زال الشعب السوري موحدا خلف طرحه الوحيد وهدفه الأسمى ألا وهو إسقاط النظام، ففيما يتناهش من يسمون أنفسهم قادة المعارضة على مقاعدهم ومصالحهم ومصالح من خلفهم، يستمر الشعب السوري دفع ضريبة حريته وانعدام وجود تنظيم سياسي حقيقي خلفه دما وأرواحا، وسورية تدفع ثمن حريتها ثقافة تراثا وحضارة وآثار..
بالتأكيد إن الشعب السوري الثائر الذي يحسد على صموده وتصميمه وإيمانه بقضيته لا يحسد على من نصّبوا أنفسهم أو نُصِّبوا كقادة سياسيين للمعارضة السورية، فعلى مشارف مؤتمر جينيف ٢ والذي تحتاج الثورة السورية خلاله أكثر ما تحتاج الى وحدة مكوناتها وتوحد خياراتهم وطروحاتهم، ها هو الائتلاف الهجين يتفرفط عقده كل حبة في اتجاه، إن تشرذم هذه المعرضة بالتأكيد يسهم في إفشال الثورة السورية وإبطائها، ولا يخفى على أحد أن الصراع داخل الائتلاف هو صراع سعودي قطري وللأسف على من يكون له التأثير والتغيير في سورية المستقبل، وهذا الصراع هو نتاج مصالح الدول المتصارعة، فقطر تدعم الإسلاميين والمتطرفين الذين عبرهم يزداد تمددها وتوسعها في الدول العربية لتكون هي المقرر فيها أو على الأقل المؤثر في اتخاذ القرارات وهذا ما جرى في مصر وتونس، بالإضافة الى ذلك قطر تدعم الإسلاميين والمتطرفين لاستخدامهم كأداة ابتزاز في تحقيق مصالحها الاقتصادية مع بعض الدول لما له علاقة بتقديرها الغاز الى تلك الدول، أما فيما يخص المملكة العربية السعودية فهي تساهم في إبطاء الثورة السورية لأنها تخشى بحال انتصار الثورة أن تمتد الى أراضيها، لذلك لمصلحتها تقتضي عدم تقديم الدعم اللازم للثوار لتمكينهم من الانتصار بحيث تنهكهم المجازر التي يرتكبها النظام وتخور قواهم، وبذلك تمرر المملكة رسالة الى الشعب السعودي بأن هذا هو مصير من يقوم بثورة، هذا على الصعيد العربي أما على الصعيد الدولي، فالدول المصنفة نفسها صديقة للشعب السوري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فهي ليست بصديقة لغير مصالحها، فواشنطن غير مستعدة لتقديم الدعم للشعب السوري لأنها لمصالح عدة، فأولا ما يجري في سورية يسهم في تدمير المجتمع السوري تسعير الخلاف المذهبي بين مكوناته وهذا ما يخدم العدو الإسرائيلي، ثانيا الولايات المتحدة تستنزف كل أعدائها في الحرب السورية فهي تستنزف القاعدة والمتطرفين وكذلك حزب الله الذي دخل بقوة على خط الحرب السورية، أيضاً هناك استنزاف للإقتصاد الإيراني، فالمصلحة الأمريكية تقتضي استنزاف جميع خصومها وإضعافهم دون أن يكلفها شيء لهذا الولايات المتحدة غير مستعجلة على إنهاء هذه الأزمة، أما روسيا والتي حسبما يتبين أنها متفقة مع الولايات المتحدة حول الوضع السوري فهي ببقاء الوضع على ما هو عليه تحافظ على مصالحها في سورية سواء لجهة بيع السلاح والاحتفاظ بالقواعد العسكرية على ميناء طرطوس، وأيضاً تستفيد وحيدة من النفط السوري الذي تستورده بأسعار زهيدة بفعل العقوبات المفروضة على نظام الأسد.
هذه الأسباب مجتمعة هي التي أخرت انتصار الثورة السورية، وكل ما يقال من كلام عن مؤتمرات وقمم ليس له أي تأثير أو تغيير على أرض الواقع، والواقع الجلي هو أن سورية دخلت حربا أهلية بفعل إجرام نظام مذهبي وتقاعس عربي ودولي، وإن ما سيجري في جينيف اثنين أو قمة الرئيسين الأميركي والروسي خلال قمة مجموعة الثماني ليس إلا لتقطيع الوقت، فكان الله في عون الشعب السوري الذي لا يحسد على من يتناتشون على مقاعد تمثيله ولا يحسنوه.