من الواضح أن الوضع في لبنان لا يشي بأي تطور ممكن ان يؤدي الى انتاج تسوية سياسية وانتخاب رئيس للجمهورية، ففي ظل استمرار حالة التعثر في تشكيل حكومة فاعلة بعد ثلاثة اشهر على انتهاء الانتخابات النيابية، بدأت مختلف الاحزاب السياسية والكتل البرلمانية تحركاتها السياسية النشطة من اجل التحضير لمواجهة الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يحل مكان الرئيس ميشال عون في سدة الرئاسة، والذي تنتهي ولايته في 31 تشرين اول المقبل .

 


تبدو الدعوات الداخلية لانجاز الاستحقاق الرئاسي وكأنها تغرد خارج السرب، لكنها تشير إلى حجم الاختلافات وطبيعة المشاريع المطروحة في البلد وامتداداتها الإقليمية، فلا يدخل كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن مواصفات الرئيس المقبل إلا في سياق تكريس الفراغ، فيما الخرق الوحيد الذي يؤخذ بالاعتبار ما سجله لقاء وليد جنبلاط مع قيادة حزب الله .

 


من الواضح أن العامل الأساسي الذي يمنع استعادة نصاب المؤسسات الدستورية، هو ربط مصير لبنان بملفات المنطقة ،واصحاب المصلحة في ذلك القوى التي تحمل مشروعاً اقليمياً وبالطبع على راس هذه القوى حزب الله ،وينطلق موقف الحزب مخافة الوقوع في الفراغ واعادة تجربة حكومة الرئيس تمام سلام بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان . 

 


على المستوى الداخلي اللبناني يبدو أن بحثاً خلف الكواليس يتقاطع بين المحلي والدولي يتناول التركيب السياسي والصيغة واتفاق الطائف، وهو يأخذ بالاعتبار موازين القوى وإمكان تفجر الأوضاع السياسية والامنية إذا حدث إنسداد في الملف النووي وايضاً في المباحثات السعودية- الإيرانية. لكن حتى الآن لا بحث جدياً في انتخاب رئيس للجمهورية، في انتظار متغيرات دولية استراتيجية، إذ أن الداخل عاجز عن انجاز الاستحقاق الدستوري بلا رعاية دولية . 
هناك أطراف دولية في مقدمها فرنسا والفاتيكان تؤكد على اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها لقطع الطريق على اي فراغ، وفي المقابل هناك مخاوف من أن اي بحث في التركيبة اللبنانية والنظام والذي تسعى إليه قوى مهيمنة ووفق موازين القوى الراهنة، قد يؤدي نسف الصيغة، وتكريس هيمنة طائفية جديدة، والتذكير بتسوية 2016 لا يعني أن السيناريو نفسه سيتكرر في 2022.

 

 
لكن الحدث الأكثر خطورة إلى موعد الاستحقاق، يبقى باحتمال عدم خروج ميشال عون من القصر ما لم تتشكل حكومة تحمل سياسته وقادرة على الحكم في حال عدم انتخاب رئيس جديد. 

 


المعطيات تشير إلى أن البلد متجه إلى حالة من الفراغ حتى إذا قرر ميشال عون الخروج من القصر. مجلس النواب اللبناني لن يتمكن من عقد جلسة انتخاب رئيس جديد خلال المهلة الدستورية، أولاً بسبب قدرة تحالفات نيابية سياسية على تعطيل النصاب، وثانياً لعدم تمكن أي محور إن كان من المعارضة أو الممانعة أو ما يسمى بالمحور السيادي على تأمين اصوات 65 نائباً لانتخاب الرئيس، وهذا امر مرهون بالنصاب أيضاً. 

 


في النهاية يبقى لبنان بأمس الحاجة لرئيس يحقق حياد رئاسة الجمهورية وغير ساع بشكل مستميت للسلطة. ولكن يبقى من الضروري والمشروع التساؤل عن امكانية توافر الظروف السياسية لوصول رئيس بهذه المواصفات .