أعلن هيجل في مستهل كتيب ألّفه عن الدولة اللبنانية في العقد الأخيرمن القرن الواحد والعشرين بأن هذه الدولة لم تعد دولة اذ ان مخلفات الإستبداد الإقطاعي لا تزال تضرب أطنابها في لبنان ، وازداد طغيانها لأنّها تفتت الى كثرة من النظم الإستبدادية الصغيرة التي تتنافس كل منها مع الآخر، وبتت الدولة تتألّف من الولايات المتحدة الأميركية ، وفرنسا ، وإيران ، وسورية ، والسعودية ، ومن الأمراء الجُدُد دينيين وزمنيين . ومع أنّها تتألّف من 18طائفة إلاّ أن الطائف منح ثلاثة طوائف مواقع النفوذ ، واستلحق الطوائف الأخرى بهم ، وبعد فساد السلطة فقدت الدولة دخلها السنوي ، وساحتها كانت تمارس عليها كل ألوان الجشع والنزوات والرشاوي ، ومازال رقّ الأرض سائداً ، والفلاح لايزال دابة تمشي على رجلين ، وكان بعض الأمراء من النوعين المذكورين لا يزالون يؤجرون رعاياهم أو يبيعونهم ليكونوا جنوداً مرتزقة في معاركهم المختلفة. كما كانت الرقابة الشديدة مفروضة لقمع أبسط اتجاه مستنير ، وقد وصف أحد المجهولين الأوضاع السائدة بقوله : إن الوضع الراهن في أمتنا هو أننا نعيش بلا قانون أو عدالة ، وبلا حماية من الطرائق التعسفية ، وغير آمنيين على أرواح أبنائنا أو على حريتنا وحقوقنا ونحيا خاضعين للسلطة الإستبدادية التي تفتقر الى الوحدة والروح القومية . في هذه الدولة تمّ القضاء على الطبقة الوسطى العاجزة عن بلورة أيّة معارضة حادة عوضاً عن ممارستها .. صحيح أنّه وقع نزاع ما بين هؤلاء الأمراء وبين هذه الطبقة ولكن لم تصل هذه المنازعات في أيّة حالة الى مستوى الحركة الثورية لأن عصا جماهير الأمراء كانت غليظة ، ودعوات أهل الدين لحفظ الدولة من أهل الثورة كافية لتكفيرها ، وكانت هذه الجماهير قد آمنت منذ الطائف على أن الحرية بالنسبة اليهم قيمة لا تتعارض مع أيّ نوع من العبودية ، وأن الطاعة الواجبة للسلطة القائمة شرط ضروري للخلاص الأبدي ، وأنّ الكدح والفقر نعمة من عند الرب . وأضاف هيجل بأن الدين والسياسة قد لعبا لعبة واحدة اذ أن الدين قد علم الناس ما أراد الطغيان أن يلقنهم إيّاه وهواحتقار الإنسانية وعجز الإنسان عن بلوغ الخير وتحقيق ماهيته بجهوده الخاصة . وجدت في ما كتبه الفيلسوف الألماني هيجل في كتيب ألّفه عام 1802 عن الدستور والدولة الألمانية مناسباً تماماً للواقع اللبناني فاستحضرته مستبدلاً الألمنة باللبننة .