وكأني بالتاريخ يعيد نفسه، بين رشق الحجارة في وجه الارساليات في النبطية وصور بدايات القرن الماضي، وبين رشق الحجارة بالامس على دورية الطوارئ في شقرا، وجميعنا يعلم أن الخلفية وراء الحالتين هي قصر النظر وخيارات خاطئة لا تراعي مصالح أبناء الطائفة الشيعية.
 

إستوقفتني كثيرا حادثة هجوم "الاهالي" في بلدة شقرا الجنوبية على دورية لقوات الطوارئ الدولية بالحجارة والتكسير، بحجة أن أحد أفراد الدورية صور منزلا عتيقا في أحد أحيائها القديمة كما يفعل أي زائر أو سائح لبلد يزوره 

 


 
إستوقفتني ليس لأنها المرة الاولى التي تحصل فيها مثل هذه الاحداث، وإنما لتزامنها مع سهرة حوارية كنت اشارك فيها وكان محور حديثنا يدور عن تاريخ "جبل عامل" وكيفية انضمامه مرغما الى دولة لبنان الكبير وما رافق ذلك وسبقه من أحداث ومواقف،  كما وتطرقنا لأسباب التخلف الاكاديمي الذي كان سائدا آنذاك في الوسط الشيعي مما جعلهم لا يقدرون على مجارات المشاركة الفعلية في إدارات الدولة وتبوّء مراكز عليا بسبب الشح الموجود بحمَلة الشهادات.

 


 
بالطبع فإن من السهولة على اصحاب الرؤوس الحامية، مقاربة تلك المرحلة بخلفية "المؤامرة" واستهداف الشيعة واستضعافهم، من قبل المارونية السياسية مرة ومن قبل كل الكون مرات ومرات، من دون الحاجة الى الوقوف مليا على حقيقة تلك الحقبة وانتقاد الخيارات التي أُسقطت على الجمهور من اصحاب العمائم المتخلفة، والتصويب نحو المسؤول الحقيقي عن تخلف الشيعة وذهابهم الى ممارسة أعمال بسيطة (دكاكين – باعة خضرة متجولين – عتالين على البور والمطار ..) .

 

 

مداخلتي في تلك السهرة، والتي استندت فيها الى كتاب "مذكرات الشيخ جواد مغنية" حين يذكر كيف أن مشايخ وأصحاب العمائم في جبل عامل كانوا  يحرّمون على ابناء الشيعة دخول المدارس والجامعات كونها مؤسسات للاستعمار، وتُعلّم ابناءنا الفسق والفجور وتزرع فيهم ثقافة الغرب التي يخشى منها على دينهم، لأنها لا تعتمد بمناهجها على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة !!! وكيف كان هؤلاء المعممون الجهلة، يرسلون الاطفال والاولاد ( الاهالي ) لرشق الحجارة على وفود الارساليات وطردهم من الجنوب لأنهم يحملون مشاريع بناء المدارس.

 


 
وكأني بالتاريخ يعيد نفسه، بين رشق الحجارة في وجه الارساليات في النبطية وصور بدايات القرن الماضي، وبين رشق الحجارة بالامس على دورية الطوارئ في شقرا، وجميعنا يعلم ان الخلفية وراء الحالتين هي قصر النظر وخيارات خاطئة لا تراعي مصالح أبناء الطائفة الشيعية، فمن أمر برشق الارساليات كان يريد الانضمام الى سوريا الكبرى، والذين يأمرون "الاهالي" اليوم هم ينتمون الى محور ايران الكبرى، كل ذلك على حساب حياة وتطور وازدهار ابناء الجنوب وعليه فلا استغرب اذا قرأنا بعد سنوات أو قرأ من يأتي بعدنا سردية تحمّل مسؤولية تهجير الجنوبيين وتدمير قراهم الى المجتمع الدولي الذي تركنا وانسحب من ارضنا، تماما كما نحمل الآن المسؤولية لل "المارونية السياسية" التي لم تسمح (حسب السردية الشيعية) ببناء المدارس في قرانا ومدننا بالجنوب .