كلُّ إنسانٍ يتربّى على مجموعةٍ من المعتقدات الدينيّة وغير الدينيّة. وعندما يصبح  في سن الحداثة يبدأ بالتفكّر في ما ورِثه من آبائه وأجداده وبيئته. وعلينا الانتباه دائمًا إلى أنّ هناك أناسًا في السلطة لهم مصلحةٌ في الإبقاء على معتقدات الناس كما هي حتى لو كانت في غالبيتها مجرد خرافات. فالسلطة تنتِج دائمًا عِلمانًا أو معرفةً تناسبها. والمعتقدات والأديان هي أنواعٌ من العلمان. من هنا ضرورة الفهم الفلسفي للدين، أي ضرورة الاهتداء بنور العقل حتى لا يصبح الدين مجرّد خرافة.


لكن ماذا أعني بالفهم الفلسفي للدين ؟

 

أعني به ممارسة النشاط الفلسفي بما هو فحصٌ للأسس والركائز التي يقوم عليها الدين والمعتقد والأيديولوجيا (أو السياسة أو الأخلاق) حتى لا يعود يكتفي المؤمن بما يوجّه إليه من فهمٍ دينيٍّ لا يهتم أصلًا بفحص الأسس. 
عندها قد يتبيّن، في غالبية الأحيان، هشاشة وضعف كثيرٍ من العقائد والمعتقدات التي تُنسب إلى الدين ويُطلب من العامّة أن يؤمنوا بها من دون تفكّرٍ ولا تفكير بوصفها فوق قدرة العقل البشري. شعار رجال الدين: "لا تفكر من دون وصايتنا". وهذا الشعار يتنافى مع شعار الأنوار! ولعلّ هذا ما تعاني منه المجتمعات المتدينة حيث يتقبّل المؤمن ما يُقال له أو يقدّمُ إليه بوصفه الدين الأصيل حتى لو كان ضعيفًا جدًّا، أو ليس هناك ما يدعمه. وما يُقدّمُ له، في أحسن الأحوال، مجرّد قراءةٍ للدين محكومةٍ بثقافة القارئ ومستواه العلمي والحياتي.

 


ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هناك موقفين من الدين:


١-فلسفة الدين: وهي نوعٌ من الشق النظري داخل الدين. تشبه علم الكلام إلى حدٍّ ما.

 


٢-النظرية الفلسفية في الدين: عندما يصبح الدين نفسُه أحد أسئلة العقل كما هو الحال مع السؤال الكنطي: ما المُتاح لي أن آمله؟ فكان جواب كنط عن هذا السؤال في كتابه (الدين في حدود مجرّد العقل).
الفهم الفلسفي للدين ليس نظريةً فلسفيّةً في الدين وليس فلسفةَ دين. هو مجرّد تسليط نور الفلسفة أو مطرقة الفلسفة على ما نؤمن به من معتقداتٍ دينيّةٍ لنرى إنْ كانت ذات أُسسٍ هشّةٍ ضعيفةٍ أم ذات أسسٍ متينةٍ قويّةٍ متماسكة.