لم يكن مفاجئا لأحد توصف البنك الدولي حال ما الت اليه اوضاع لبنان، الاقتصادية والمالية والمعيشية بـالكارثية، والاشد سوءا، وقد تدهورت وباتت ظروف الحياة تهدد بخطوات، غير مسبوقة، وكوارث حقيقية جراء عدة اسباب من بينها انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، حيث حرم اللبنانيين من توفير ابسط احتياجاتهم، والمنظومة السياسية المافياوية الاحتكارية تمضي وكأن شيئا لا يحصل.

 

 


وكأنه لا يكفي اللبنانيين ما حل بهم من كوارث ومعاناة، مصبوغة بكل روائح الذل والهوان، حتى اطلت مسألة رفع الدعم عن المحروقات، خلال ايام، واللبنانيون على ابواب فصلي الخريف والشتاء، وهم غير قادرين على توفير المؤن والمحروقات للتدفئة، ناهيك بغياب الكهرباء والماء الصالح للشرب، والعام الدراسي في خطر، حيث غالبية اللبنانيين الكاسحة غير قادرة على سداد الاقساط وتكبد المستحقات وتوفير المستلزمات، من وسائل النقل الى سداد اسعار الكتب والدفاتر، ناهيك بالوقاية الصحية الواجبة الوجوب.

 

 


الدفع الدولي لإنجاز التأليف لم يتوقف، وهو تواصل عبر موفدين وعبر اتصالات مباشرة او بالواسطة واللبنانيون بإنتظار، ساعة الفرج، وبناءً عليه أعلن الرئيس ميقاتي حكومته بعد أقل من شهرين على تكليفه، وقد ضمَّت 24 وزيرًا من الاختصاصيين ولكن من اختيار القوى السياسية الأساسية في البلاد .

 


ومن اللافت في تشكيل الحكومة أنها لم تأت مطابقة لمواصفات المبادرة الفرنسية والتي من أهم بنودها أن تكون من مستقلين، على الرغم من أنها وُلدت بمتابعة ورعاية فرنسية مباشرة، كما لم تتمثل فيها قوى المجتمع المدني.

 


في هذا السياق ، هل ستستطيع هذه الحكومة إجراء إصلاحات ضرورية، كمدخل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مجموعة من الإجراءات المالية، وإرساء نظام اقتصادي أكثر شفافية ومختلف جذريًّا عن السابق، بما يشجع المجتمع الدولي على التعاون المالي والاقتصادي مع لبنان الرسمي، كذلك هل ستستطيع الحؤول دون الانفجار الاجتماعي الذي كاد يكون محتومًا بسبب شح الدولار، وذلك بتوفير الحاجات الأساسية للبنانيين.  

 

 


على ما يبدو ان المهمة الاساس التي يمكن لهذه الحكومة القيام بها  الإعداد للانتخابات التشريعية بوجه خاص، والتي من المتوقع أن تجري في شهر أيار المقبل، وعلى رغم إعلان كل القوى اللبنانية عزمها على المحافظة على مواعيد هذه الاستحقاقات، إلا أن الأزمة الاقتصادية أو السياسية إذا ما استمرت، فإنها قد تحول دون انتظامها.

 

 

إقرأ أيضا : الفصل الأخير من تحلّل لبنان!!

 

 

 


ومن أهم التحديات التي ستواجهها الحكومة ، احتمال أن تنعكس فيها خلافات الأطراف السياسية المشكِّلة لها، لاسيما أن معظم وزرائها ليسوا مستقلين وإن كانوا من الاختصاصيين، وبالتالي فليس من المستبعد أن تفقد فعاليتها أو أن تنتهي بالاستقالة . 

 

 


تحتاج هذه الحكومة لأن تحظى باعتراف دولي وإقليمي والأهم عربي ، لبنان اليوم بحاجة خصوصاً لعمقه العربي، أو لوصل ما انقطع مع العالم العربي، بحسب تعبير ميقاتي نفسه بعد إعلانه لحكومته.

 

 


احتمال أن تنعكس الخلافات أو الصراع الإقليمي على لبنان. لهذا قامت المبادرة الفرنسية في جوهرها على تحييد لبنان عن أزمات الإقليم. وليس واضحًا إذا ما اشتد الصراع في المنطقة أن بالإمكان تحييد لبنان أو أن الأطراف اللبنانية تملك الإرادة والقدرة على تحقيق ذلك. وبوجه خاص، إذا ما استمر النزاع السعودي الإيراني في تصاعد، أو تدهورت المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية، فضلًا عن المواجهة المحتملة بين حزب الله وإسرائيل.

 

 


قد تسؤ علاقة الحكومة مع الشارع وتتجدد المظاهرات أو الاحتجاجات الشعبية -بغضِّ النظر عن حجمها ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بعد أن جاء تشكيل الحكومة العتيدة متجاهلًا قوى الحراك الشعبي وكأنه يعلن هزيمتها، كما تعتقد طبقة الأحزاب السياسية أن بعض القوى الخارجية تطمح لتغيير الطبقة السياسية اللبنانية الحالية ما استطاعت، وأنها ستقف مع قوى المجتمع المدني في الانتخابات النيابية المقبلة ضدها، أو أنها ستؤيد أي حراك جديد يشهده لبنان؛ الأمر الذي يُبقي أجواء التوتر حاضرة في عموم المشهد السياسي اللبناني، ما سيجعل مهمة الحكومة بالغة الصعوبة.   

 

 


وفي ظل ظروف المشهد اللبناني وما تشهده المنطقة من تجاذب، هناك شك كبير حول إمكانية حكومة ميقاتي على مواجهة التحديات التي تواجهها، وقد تعجز حتى عن لجم الانهيار المالي لوقت طويل إن استطاعت بعض الوقت. إلا أن رهان حكومة ميقاتي وكذلك القوى اللبنانية الأساسية، على أن المجتمع الدولي إن لم يكن معنيًّا بتعافي لبنان في المرحلة الراهنة فإنه حتمًا حريص على منع الانهيار بما يهدد استمرار البلد وبالتالي توفير كل السبل لهبوط اضطراري إقتصادياً منضبط على الأقل، وبالتالي ليس على حكومة ميقاتي إلا الصمود إلى حين الانتخابات النيابية المقبلة إن جرت في موعدها.