كان فيهم ، وليس منهم ، كثمود في قوم عاد ... فكفّروه ونفوه ، وما زاده الكفر إلاّ إيماناً، والنفي إلاّ اقتراباً .. كان فيهم ، وليس منهم .. أجمل من يُوسُف في عين زليخة ، وفي فقره أغنى من سُليمان ، وفي لينه أقوى من حديد داود ، وأمام ربّه أشمخ من موسى الذي خرّ مغشيّاً عليه، وأصلب من عيسى .. فالمسيح "صُلب" على خشب الكهنة مرّة ، وهو صُلب ألف مرّة بمسامير السماسرة، ولصوص الهيكل ، وتجّار الدينّ .. وللمسيح يوضاس واحد باعه على مائدة العشاء الأخير بكيس من الفضّة ، وللصدر أكثر من يهوذا ...فمنهم من طعنه في الصدر، ومنهم من طعنه في الخاصرة ، ومنهم من ذبحه على مائدة التصدي والصمود بسكين الثورة والمقاومة ..

 


كان فيهم ، وليس منهم .. وقد قيل فيه ما قالت قريش بمحمّد .. ساحر ومجنون وهو يوقف إيلاف قوافلهم ، وما تحمل عيرُهم من عبيد  ، وما تحصد تجارة ثوراتهم من ثروات ومن أموات يبيعون أكفانهم التي تفوح منها روائح الشهادة في تلّ الزعتر ، وما نزف جرح أحُد من فيء الخيانة ..

 


كان فيهم وليس منهم ... وقد كاد له من كاد ليعقوب ، ومن اشترى يوسُف وباعه لفرعون، ومن ملّع عباءته بأظافر أسد أو ذئب أو كلب.. ومن أعدّ العدّة لخروج الحسين الى كربلاء ..

 

 

إقرأ أيضا : بيضوها الحجاج

 

 


وحفر لرأسه قبراً ، ولجسده قبراً كي لا يكون له منزلاً يضم ثراه .. ففاح من نتانة خبثهم طيب غريب من غربة قائمة ما بين الصدر والصدر ... قبر الحسين في كل قلب .. وغربة موسى الصدر أقرب من القلب الى القلب ...

 


وقف ضدّ الحرب يوم هلّل لها اللبنانيون والعرب .. واعتصم ضدّها وامتنع عن الماء وهم يشربون دماء بعضهم بجماجم الشهداء  .. وقال الحرب خدمة مجانية لإسرائيل .. والسلام شكل من أشكال الحرب معها .. فانبذوا الجاهلية الجديدة وإلاّ ستفتشون عن وطنكم في مزابل التاريخ .. اتحدوا وشكلوا استراتيجية عربية لمواجه " اسرائيل " والجنوب في مقدمتكم أمّا أن نتحمّل وحدنا عبء الصراع فهذا ظلم وحرام ..

 


لم تكن الكوفة سوى صحراء جديدة اسمها سبها حيث يقيم الفاتح جنازة الحسين ومعه فاتحون من الأعراب الجُدُد يتوسلون يزيداً كي يُثخن في الحسين وكان أكثر من فقيه يوصي الشمر باتباع الشريعة في ذبح الإمام ، واتباع السُنّة في السبي لنساء ابن بنت رسول الله ..

 


ذهب لطلب الإصلاح بناءً على دعوة مفتوحة من الثوّار والثورة فوطأت صدره خيول الخليفة وصدر الصدر طعنات الغدر ... وحده جده من بكاه .. ووحدها صحراء سبها بكته .. فنحن لا نبكي من اذا مات عاش أو غاب فأمسى صدر الحضور ...

 


بلغه أن من تشافى شفي من غلّه ، وهو سجين يتوضأ بماء الحرية .. وأخبره عمه العباس عن جده عن جبرائيل أن من غدر به في الدرك الأسفل من النار .. ويعرف الغادرون والماكرون وإن ناموا على كرهه في حضوره ، واستفاقوا على حبه في غيابه ..أنّهم خير خلف لخير سلف من منافقي الخزرج الى منافقي القبائل الجديدة ..


وحدها مدينة الأنصارتشيّع بصمت جنازة الحسين .. كما تحمل وحدها مدينة الصدر قسم الإمام...