لم يعد لبنان الذي كان حيث الظروف تقول إنه يعيش الأيام الأخيرة لنموذجه. وكان تفجير المرفأ الضربة القاضية التي قضت على ما تبقى من قطاع صحي، وتربوي، وسياحي، وكل ما له علاقة بالتجارة والترانزيت. وإذا كان ذلك التفجير هو الشرارة الأساسية لاستقالة الحكومة، والدخول في داومة سياسية تشبه الدوامة التي أدخلت القوى السياسية التحقيق العدلي فيها، منذ الوعد الشهير بإنجازه وإعلانه خلال خمسة أيام. فهو نفسه الانفجار عمل على فضح المسار الإنحداري للمجريات السياسية في البلد. وهي نتاج لسياسة متعمّدة كما يتضح يوماً بعد يوم من خلال تلاعب الجميع بالاستحقاقات الدستورية التي تتعلق بعملية تشكيل الحكومة، واختراع كل المعوقات لمنع تشكيلها. وكما تم تمييع التحقيق، يتم تمييع وتسخيف أي حراك حقيقي لإنتاج حكومة. 

 

 

حتى لو أن لبنان قد شكّل حكومة جديدة بعد هذا التعثر كله كله فإنه لا يمكن أن يكون هناك جديداً طالما أنّ القرار في هذا البلد سيبقى في يد حزب الله الذي هو إيرانيٌ وليس لبنانياً لا من قريب ولا من بعيد فإيران دولة الولي الفقيه، كما هو معروفٌ تسيطر سيطرةً كاملة على أربع دولٍ عربية هي: العراق وسوريا وبلاد الأرز اللبنانية والجزء الذي يسيطر عليه الحوثيّون من اليمن الذي كان سعيداً قبل أن يحتلَ الإيرانيون الجزء الذي يحتلونه منه. 
ولذلك فإنه حتى وإن تشكلت حكومة لبنانية برئاسة ميقاتي أو برئاسة غيره فإن قرار هذا البلد سيبقى في ضاحية بيروت الجنوبية وأن السيد حسن نصر الله مستنداً إلى دولة الولي الفقيه في طهران سيبقى هو الآمر الناهي في هذا البلد الذي بقي ما أن يتخلص من سيطرةٍ خارجية حتى يقع تحت سيطرة أخرى ولذلك فإنه حتى لو أن هذا المرشح لهذه المهمة الشديدة التعقيد قد تمكن من تشكيل حكومة تشارك فيها الطوائف اللبنانية كلها فإن القرار الفعلي والحقيقي سيبقى في يد حسن نصر الله طالما أنه يمثل الولي الفقيه الإيراني في بلاد الأرز طالما أن قوته مستمدة من قوة إيران التي تسيطر على هذه الدول العربية التي تسيطر عليها.

 

 

إقرأ أيضا : غياب كلمة السر الخارجية للافراج عن الحكومة في لبنان

 

 

 

ان كل ما يروج من خلاف هنا اوهناك، وتقدم على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة وخلافات على مقعد هنا اوهناك، ليس هو الأساس بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، لان الاساس يبقى بالسؤال، هل افرجت طهران عن ورقة تشكيل الحكومة، ام انها ماتزال تحتفظ بها لتوظيفها في اطار مصالحها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، رغم كل ما يقال عن تسهيلات يقدمها وكيلها حزب الله، بتسمية رئيسها مثلا، ولكن من دون ممارسة اي دور ايجابي فاعل ومؤثر بعملية التشكيل كما يحصل منذ استقالة حكومة حسان دياب وحتى اليوم. والارجح كما تقول المصادر ان طهران ماتزال تمسك بورقة تشكيل الحكومة الجديدة اكثر من السابق مع احتدام  صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والغرب عموما حاليا وهذا يعني توقع صعوبة بالغة وعقد مفتعلة بعملية التشكيل . 

 

 

تدور الاتصالات الجارية داخلياً ودولياً في حلقة مفرغة أكان على خط التأليف أو السعي لإنقاذ البلد الذي يعاني الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية وصولاً إلى الوضع الأمني المهزوز وهذا ما تبدى بشكل واضح من أحداث خلدة إلى التصعيد في الجنوب ، فبناءً عليه، فإن لبنان سيبقى في هذه المرحلة في دائرة القلق والمخاوف ، لأن الأجواء حتى الآن لا توحي بأن هناك حكومة قريبة. 

 


فالأمورتزداد تعقيداً منذ إشتباك خلدة إلى التصعيد العسكري ولكن دون نسيان الذكرى السنوية الأولى لإنفجار المرفأ وتحريك الشارع من جديد والأمور مرشحة إلى مزيد من الخطوات التصعيدية وهذا ما بدأ يظهر جلياً كذلك يترافق مع الإنتقادات المستمرة للطبقة الحاكمة أكان من قبل الرئيس الفرنسي وصولاً إلى دلالات عظة البطريرك مار بطرس الراعي ، لذا أن اللعبة باتت مفتوحة على شتى الاحتمالات في هذه الظروف أكان على صعيد التأليف أو التصعيد العسكري الإسرائيلي إلى ما يجري في الشارع وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحريك المجتمع الدولي بشكل أنفع وأنجع من أجل السعي لمحاولة إنقاذ هذا البلد بعدما وصلت الأمور لحد الخراب الشامل، وختاماً وأيّاً كانت الظروف التي حكمت عملية شويا في توقيتها ومضمونها، فإنّ فئة واسعة من اللبنانيين فهمت مجموعة الرسائل التي عليها فهمها من الحزب ، انّ انشغال اللبنانيين بالوضع الداخلي الهَش في لبنان لا يلزم الحزب به، فهمومه أكبر بكثير تتعدّى الساحة اللبنانية الى ما هو أبعد بكثير، فباختصار على اللبنانيين أن يفهموا انّ صواريخ العرقوب هدفت الى إبلاغ الجميع من خصوم وحلفاء اننا اصحاب قرار الحرب والسلم وهذا هو نموذج لبنان الذي نريد. ونقطة عالسطر.