تبيّن أن محركات الثورة هي جماعات أحزاب السلطة ومن هم في أحشائها أو من هم خارجها ودون إستثناء ومن ثمّ تبرّأ منها الثنائي الشيعي واعتبرها آفة سامّة كونها صناعة سفارات وبعد فترة من تأديب الثنائي للثوار اتخذ الحزب التقدمي موقفاً مماثلاً بحق متظاهري الجبل ومن ثمّ لحق تيّار المستقبل بهم ونفض كفيّ الحريري من الثورة عن طريق ضرب الثوار وبقيّ لآخرعمر الثورة حزب القوّات الذي استنفد غرضه من الثورة وانحاز للحكومة الحسانية في حين زاهمه حزب الكتائب بمقاربة مختلفة اذ باع السلطة باستقالته منها وبايع الثورة وبعد أن عرّت الثورة العونية السياسية بحث تيّار الوزير باسيل عن كافة السُبُل للتخلص من الثورة وهنا لا داعي لذكر صغار أحزاب السلطة لضيق هامشها في الثورة من قبيل الحزب الشيوعي وأطرابه .

 


ثمّة دلالات كثيرة ووافية على أدوار أحزاب السلطة في الثورة وكل بمُبتغى مختلف عن الآخر ولكن المشترك بينهم هو وقوفهم جنباً الى جنب للتخلص منها بعد أن هدّدت مصالحهم وانحازت عن الخط المرسوم لها ويكفي التأمّل في الظروف التي لم تكن سيئة بما هي عليه اليوم اذ أنّ ظروف ما قبل ارتفاع الدولار ليلامس العشرين ألف ليرة قد أقضت الى ثورة لم يشهدها اللبنانيون منذ قيام الطائف فما بال الظروف التي نعيشها والتي أماتت حياة كاملة من الرفاهية ووضغتنا فجأة تحت خط الفقر دون أن يحرّك أحد ساكناً فأين ساحة طرابلس التي أدهشت العالم و أين جسر الرينغ الذي أفقد السلطة إمكانية القضاء السهل على الثورة و أين ساحة الشهداء التي أحيت الضمير العالمي ؟ ولن نتحدث عن وهم الساحات الشيعية لأن غروة واحدة كانت كافية ليسكّر من ثار فمه .

 


من هنا لم يعد المطلوب الحديث عن السلطة التي تبيّن أنها حمل وديع أمام ذئاب الشعب الذي يحميها من شعراء يسكرون ويمدحون حماة السلطة ومن أدباء ومثقفين ورجال دين ولن نذكر دواب الأقوام الذين يدبون عن السلطة بكل حزم وعزم ويلعب الجميع من متعلمين وجاهلين دور المبرر للحكّام ولفسادهم ولإستبدادهم ويبرؤنهم من الظروف التي جعلتنا أعجاز نخل خاوية ويرون بالؤامرة محاكاة طبيعية للمعاناة التي تلفنا وتحاصرنا من كل حدب وصوب .
يقف اليساريون الذين ولدوا من أرحام أحزابهم ضدّ الدولة الى جانب الدولة وهي اليوم بأسوأ صيغها وبأسوأ ظروفها وبأسوأ أحوالها ومراحلها تماماً كما يقف الإسلاميون الكافرون بالدولة مع الدولة لا كحماة لسلطتها بل سدّا منيعاً بوجه تغيير قبحها وما فيها من مفاسد ومساوىء وهذا ديدن المسيحيين أيضاً من كهنة وعلمانيين يبذلون الغالي والرخيص لبقاء نظام دمّر المسيحيين قبل المسلمين وهم غير مستعدين للبحث عن خيارات سلطوية أخرى يتساوى فيها الجميع كمواطنيين فعل سابقاً من خلفهم في قيادة المشروع الطائفي الجهنمي .

 


وتبدو الإنتخابات القادمة توكيداً على أن المشكلة في الشعب الذي سيختار أحزاب الطبقة السياسية كاملة دون خسارة تُذكر سوى لتيّار جبران الذي سينزل قسراً عن حمار القوة الذي ادّعاها وأسّس لها في محاصصة النهب السياسي والثلث المعطّل .

 


.
ومن يتابع صوت الناس بواسطة أيّ وسيلة يسمع حرصهم على أحزابهم وعدم رغبتهم في الخروج من مسببات مآزقهم وهذا ما يستثني مسيحيين وعوا مؤخراً سعي الجبرانية السياسية الى المغامرة مجدداً بالمسيحيين كما فعل سابقاً من خلفهم في مشروعهم الطائفي الجهنمي .