أما وقد انحدر الشعب اللبناني الى مهاوي المجاعة شبه الجماعية، وإلى مواقع الإذلال المتعمد التي وضعت دولةً بأسرها في مرتبة التخلف وفي تراتبية تصطف في آخر صفوف الدول الفاشلة التي تعمد بعض الدول الخيّرة إلى التصدّق عليها بما تيسّره أحوالها وأوضاعها . 

 

بالامس وصل الى بيروت ممثل السياسة الخارجية الاوروبية وجال على المسؤولين ، ولسان حاله يقول لا نستطيع تقديم المساعدات من دون قيام لبنان بالإصلاحات، ولدينا الموارد للمساعدة ، بهذه العبارة اكد جوزيب بوريل ، الموقف القديم الجديد للاتحاد الاوروبي ، واعتبره بمثابة الرسالة الاخيرة من المجتمع الدولي، الى السلطة السياسية في لبنان ، ملوحاً بالعقوبات في حال لم يسارع المسؤولون الى تشكيل حكومة والسير بالاصلاحات الاساسية فوراً .

 


على وقع الصخب السياسي والسجالات الاعلامية التي تواكب مسيرة تعطيل تشكيل حكومة الانقاذ، وقد قاربت نهاية شهرها الثامن، فإن الوضع في لبنان بات تحت انظار العالم، ودوله وشعوبه الشقيقة والصديقة وهو في غاية الدقة، بل والخطورة، جراء ازماته السياسية والاقتصادية والمالية ، والمعيشية والصحية الاستشفائية والتربوية، تتصدر المواقف، وعيون اللبنانيين والخارج، تلاحق مسار التاءليف المتعثر، وهو يراوح في مستنقع التعقيدات . 

 

 

كل الإجراءات والقرارات توحي بأن البلاد باتت على قاب قوسين أو أدنى من رفع الدعم وإنْ اتخذ تسميات أخرى، وما تصريح وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر إلا خير دليل على ما تحمله الأيام المقبلة، اذ بحال تم القبول باقتراح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة باحتساب المحروقات وتحديدا البنزين على سعر 3900 ليرة، فهذا يعني أن الصفيحة سيصبح سعرها حوالى 60 ألف ليرة، وهو الأمر الذي ليس ببعيد، فسلامة أبلغ غجر بأن الاعتمادات التي وقعها هذا الأسبوع ستكون الأخيرة، وهي تكفي لمدة 3 أسابيع كحد أقصى.

 


لم تكن مبادرة بري للتسلية، ولا لمزيد من اضاعة الوقت، وتسجيل مواقف، بل استهدفت اخراج لبنان من المأزق الحكومي السياسي، وهو الذي حذر اكثر من مرة، من ان «تمسك البعض بشروط تعجيزية، سيزيد في تعقيد الامور، وليس في انفراجها، مؤكدا من موقعه النيابي والسياسي والشعبي حرصه على احترام الدستور وتطبيقه، ولن يسمح بإستهدافه او خرقه، تحت اي مسميات في رسالة بالغة الدلالة الى رئيس الجمهورية.

 


البيان المدوّي الذي صدر عن الرئيس نبيه بري أمس، وضع حداً حاسماً للسجال البيزنطي الذي شغل الداخل والخارج حول من هي الجهة التي تُعطل ولادة الحكومة، وإظهار مبررات هذا التعطيل بشكل واضح وصريح، ومن دون أية مواربة أو مزايدة .

 

 

إقرأ ايضا : مصالح الطبقة السياسية أعلى من الوطن والشعب

 

 


 
لكن الواقع لا يقارب المطلوب. فتراشق البيانات، طالت شظاياه مقر الرئاسة الثانية التي ردت عبر مكتبها الإعلامي على بيان قصر بعبدا الصادر أمس الأول، ليتطور الأمر لاحقا الى سجال بين المكتبين الإعلاميين في رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب. 

 


غالبية القوى السياسية والمرجعيات الروحية وغير الروحية، على قناعة بأن جشع رئاسة الجمهورية  لا حدود له، وقد اثبتت التطورات والوقائع ان الرئيس عون وفريقه الباسيلي ليسا في وارد تقديم المصلحة الوطنية على سائر المصالح الفردية والفئوية، والكف عن وضع عصي العرقلة في دواليب عربة تشكيل الحكومة، والتراجع عن المطالب العالية الاسقف والبالغة التعقيد، والعابرة لحصانة الدستور واتفاق الطائف.

 


بعد إصرار الرئاسة الأولى الاعتداء على الدستور ، من خلال محاولات ادخال اعراف جديدة عليه ، لانه يستند إلى إتفاق الطائف ، هذا الإتفاق الذي كان من هو في الرئاسة الأولى اليوم كان قد.أكد في تصريحات صحفية في 1989/11/6 قائلًا فليذهب إلى جهنم كل من قبل به رافضًا الشرعية الدستورية آنذاك الرئاسة الأولى والثانية  وكان ذلك بعد أقل من يوم على انتخاب رينيه معوض أول رئيسًا للجمهورية اللبنانية الثالثة  استنادًا إلى إتفاق الطائف والذي اغتيل بسيارة في الذكرى الخامسة والأربعون لاستقلال لبنان . 

 

 

للاسف يجرى التعامل مع السلطة كما لو انها ملكية خاصة. الوطن اكبر من ان يتحول الى ملكية احد والشعب اكبر من ان يتحول الى عمال وموظفين، هناك شعب ورجال وشباب، وهناك جيش وهو نفس جيش الشعب ورجاله وشبابه. وهناك في هذه اللحظات حوار بين الطرفين وأهم ما يجب ادراكه، ان هناك صفحة تُطوى . 

 


على ما يبدو باتت الامور معقدة وأصبحت عصيّة عن الحل، وبالتالي لربما ستستمر إلى نهاية عهد رئيس الجمهورية، إذ أن عون لن يتنازل، وسعد الحريري لن يتراجع، وبات الجميع يفكّر بالإنتخابات النّيابية المقبلة، ويبحث عن كيفية شد عصب جمهوره ، وبالتالي فإنّ لبنان أمام نهاية عهد صعبة للغاية، والدليل أن سعي الأوروبيين لضمان سير الخدمات في لبنان، ودعم الجيش اللبناني، يعني بوضوح أنّ مرحلة الحلول لم تحن بعد، يحتاج المشهد إلى مزيد من الوقت لتبيان كيف ستنجلي الامور، ولكن خلال ذلك سيكون المواطن اللبناني هو الخاسر الأكبر، كونه من يدفع الثمن كل يوم من حسابه الخاص.