انفضخ دلو مبادرة الرئيس نبيه بري بعد أن ملأه بكثير من مياه المبادرات الراكدة وذلك بإبرة الوزير جبران باسيل الذي بدا متحكماً بالبلاد والعباد دون أن يكون لأحد عليه من سيطرة رغم ما يقال ويشاع عن دعم من يستطيع لجمه بكل قوّة مقابل تحالف بري – جنبلاط – الحريري وهذا ما كرّس وهن من كانوا متحكمين بسياسات لبنان وخاصة وهن الرئيس بري التي شُلّت يده القادرة لأسباب معروفة وفي مقدمتها تحالف حزب الله والتيّار العوني الذي غلّب نفوذ التيّار على الجميع دون استثناء سواء داخل الحكومات أو في المشهد السياسي برمته . بعد الدولار الذي أكدّ الرئيس بري على استوائه الى ما دون العشرة الاف جاء الردّ المكرر عليه أيضاً من خلال المبادرات التي يطرحها كي تتم قيام حكومة بمواصفات فرنسية أي وفق ما اتفق عليه المجتمعون مع الرئيس الفرنسي ولكن من كمن للرئيس في موضوع الدولار كمن له أيضاً في موضوع المبادرات وعطّل سعيه الدؤوب للحصول على حكومة يرأسها الحريري. من الملاحظ أن تغييراً جوهرياً قد حصل في تركيبة الطبقة السياسية بحيث انخفضت أدوار أطراف منها لصالح أطراف أخرى وهذا ما غيّر بالمعادلة الداخلية لصالح شخص جبران باسيل الوزير الذي يتمتع بمواصفات رئاسية جعلت من الرئاسة الثانية مقيدة ومن الرئاسة الثالثة معطّلة رغم ما يمنحه الدستور لها من صلاحيات وهذا نتيجة لضعف الرئيس المكلف الذي سقط عن حصان أبيه وما عاد بإستطاعته إمتطاءه مجدداً لفشل ركوبه على مدار الحكومات الحريرية وخسارة قصب السبق في أكثر من استحقاق وقد لازمته الخسارات طيلة تورطه في العمل السياسي . لقد استسلم جنبلاط منذ زمن وجلس على رأس الجبل عملاً بقول أبي هريرة : الوقوف على التّل أسلم وبات لصيق سياسة المهادنة مخافة وخوفاً من دفع أثمان مواقفه القديمة في السياسة وفي الأعمال ويحتمي بحليفه الرئيس بري المخلص دوماً لأصدقائه فيجاريه في كل مبادراته ثقة منه بفرادة الدور الذي لا يستطيع أحد القيام به من أركان الطبقة السياسية وإطمئناناً منه على صحة الخيارات النبيهة في ظل غلبة لمحور يقوده حزب الله . لا مجال لإستعراض ظروف الرئيس المكلف الخاسر سياسياً وفي الحسابات الطائفية والوطنية والعربية وتراجع أسهم بورصته من بيت الوسط الى عواصم الدول التي زارها وتلك التي لم يزرها اذ أفقدته تجربته المرّة ثورة الأرز ورصيده الإنتخابي الوطني فمن أكبر كتلة نيابية الى كتلة هجينة بفعل فراغ سني لا أكثر وحضوره الطائفي ودوره العربي والإقليمي ومع ذلك لم يتعظ بعد وهو يعيد نفس التجربة التي أنزلته من الأعلى الى الأدنى . ما يهمنا هنا الدوافع المجتمعة لدى الكثيرين لتحجيم دور الرئيس بري الذي كان أعلى رتبة في الدولة ولا تضاهيها رتبة مهما علا شأنها وكان يقرر ويمشي دون أن ينتظر أحداً وعليه أن يلتحق بما قرره لا أن يعطل ما أراده الرئيس بري . من الواضح حاجة هؤلاء الملحة للجم دور دولة الرئيس بري ولكن تراجعه أيضاً قد ساعد العاملين على سلبه ما يتمتع به من دور وطني ريادي من خلال القبول بقوّة الوزير باسيل المركبة فبات ينصت له وينتظر ردوده البطيئة ومدى ومتى تتغير مناخات مزاجه لعلّ وعسى يحدث إنفراجاً هنا وانفجاراً هناك .