كان يمكن الرهان على هؤلاء بإعادة وصل ما انقطع وإعادة رأب الصدع، وإعادة اللحمة بين لبنان ومحيطه العربي وبالتالي وضع الرؤى السياسية والجدية الملائمة لمحاولة استمالة المزاج العربي وقبل كل ذلك معالجة المسببات السياسية.
 

إنشغلت الأوساط السياسية والإعلامية خلال الاسبوع الماضي بمهمة اللواء عباس ابراهيم المتعلقة باستدراج المساعدات الى لبنان من جهة، وفتح قنوات جديدة مع الدول الخليجية والعربية من جهة ثانية بعد انكفاء هذه الدول لأسباب سياسية متعلقة بخيارات لبنان السياسية تجاه قضايا المنطقة، والمتعلقة أيضا بمواقف بعض الاحزاب اللبنانية من المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموما هذه المواقف التي جعلت من لبنان محورا خارج سياق المزاج السياسي العربي سياسيا واجتماعيا .

 

ولما بلغت الأزمة المالية ذروتها وانعدمت خيارات المعالجة لجأت السلطة والأحزاب الممسكة بها إلى الإلتفاف على الموقف العربي بحجب المساعدات عن لبنان فأوكلت مهمة إجراء الاتصالات إلى اللواء عباس ابراهيم المعروف بقدرته التفاوضية والذي كان له باع طويل في انجاز بعض المهمات خلال السنوات الماضية محليا وخارجيا أثبت من خلالها قدرته عل تدوير الزوايا في بعض الملفات العالقة، ملفات سياسية وأمنية مختلفة.

 

 

  وبالعودة إلى محاولات السلطة فتح قنوات اتصال مع القادة والاشقاء العرب فقد حاول اللواء عباس ابراهيم وهو المحسوب سياسيا على الثنائي الشيعي المتمثل بحزب الله وحركة أمل طَرق الأبواب العربية بعدما أغلقها حزب الله نفسه أمام جميع اللبنانيين، وكانت المهمة في إعادة فتح باب المساعدات الى لبنان فزار الكويت والتقى في بيروت السفير السعودي وأعلن من هناك  
أن السعودية هي الشقيق الأكبر للبنان والمفتاح للدول العربية.

 

 

هذه المهمة ونتائجها خضعت للكثير من التحليل والتأويل سياسيا واعلاميا وسرعان ما اختفت أو تلاشت عن المشهد السياسي والاعلامي في لبنان حتى كأنها لم تكن فهل كانت مهمة فاشلة؟ 

 

 

رأى مراقبون. أن هذه المهمة كانت فاشلة بامتيار وأن الرهان على تغيير الموقف العربي من لبنان مرهون بما هو أكبر من ذلك، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن اختيار اللواء عباس ابراهيم كرئيس لجهاز أمني لبنان وبالرغم من حضوره السياسي على الساحة اللبنانية إلا أنه لم يكن بالمستوى المطلوب ولم يراع دقة الأزمة وتفاصيلها وأسبابها، ثم أن اللواء  ابراهيم لم يكن الجهة التي يمكنها تذليل العقبات في معالجة الانكفاء العربي كونه محسوب على المحور نفسه الذي يعادي ويهاجم ويصد أي محاولات عربية رسمية للتقارب مع لبنان، وبالتالي فإنها فشلت فشلا ذريعا، وقد كان ذلك واضحا من خلال تغريدة السفير السعودي وليد البخاري عبر تويتر والتي قال فيها : 
"الرئيس بشارة الخوري، سجل فهمه لمعادلة لبنان المستقل في مذكراته بقوله:.... دفعنا عن أنفسنا تهمة العزلة والانعزال، وتلفتنا إلى العرب الذين تجمعنا وإياهم رابطة اللغة والعادات والأخلاق الشرقية.. فأصبح اللبنانيون شخصا واحدا، لبنانيا قوميا، استقلاليا عربيا".

 

 

هذه التغريدة كانت كفيلة بكبح جماح كل محاولات الالتفاف على القرار العربي  بقطيعة لبنان لأن الواقع لم يتغير ولأن الخصم واضح والاسباب واضحة والوسيط لا يمكن أن يكون هذه المرة خصما وحكما.

 

 

إن أي محاولة للتقارب مع محيطنا العربي هي محاولات مطلوبة وضرورية في كل وقت وفي كل حين، ولا يمكن للبنان بأي شكل من الاشكال الإنسلاخ عن محيطة العربي ونحن نرى اليوم التداعيات وندفع الثمن جراء ابتعاد لبنان عن الاجماع العربي، ولذا فإن محاولات التقارب من جديد كان ينبغي دراستها أكثر، وكان ينبغي اختيار الوقت المناسب والرجل المناسب أكثر، ولا سيما أن في الطائفة الشيعية رجالات وسياسيين ومفكرين ممن يستطيعون طرق الابواب العربية دون تاريخ معاد لأي دولة عربية ولا لأي مكون عربي خصوصا المملكة العربية السعودية.

 

 

ولدينا في الطائفة الشيعية عقلاء ما زالوا يحافظون على حضورهم في المزاج السياسي العربي فهم لم يسيؤوا الى الطائفة بالعداء لأي دولة عربية ولم يسيؤوا الى الطائفة بخيارات سياسية معادية وكانوا الأحرص على إبقاء الطائفة ضمن تاريخها العربي وامتداداتها العربية لا سيما مع دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية.

 

 

كان يمكن الرهان على هؤلاء بإعادة وصل ما انقطع وإعادة رأب الصدع، وإعادة اللحمة بين لبنان ومحيطه العربي، وبالتالي وضع الرؤى السياسية والجدية الملائمة لمحاولة استمالة المزاج العربي وقبل كل ذلك معالجة المسببات السياسية.