وقف الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما إما السير بحكومة إصلاحية حقيقية تساهم بإنقاذ ما تبقى من البلد، وتؤسس لدولة حقيقية ولو بعد حين، وهذا ما يعتبره الحزب من المحرمات الكبرى ، وإما الذهاب بحكومة مسخ.
 

لطالما اتسم الاداء السياسي للحزب على قاعدة انه ليس جزءا عضويا من "الدولة اللبنانية"، وان ما له له وما للدولة اللبنانية "الجارة" هو له وللدولة اللبنانية، فكل ما يعنيه من البيانات الوزارية المتعاقبة منذ عقود مثلا هو ما يخدم مشروعه وبالتحديد اكثر، هو ما يخدم سلاحه، إن من خلال إدراج عبارة "الثلاثية الذهبية"، او ما يعادلها من عبارات تشكل غطاءا لسلاحه.
 
والتسجيل الذي تسرب للوزير السابق شربل نحاس واصفا به وزراء الحزب داخل الحكومة بأنهم كالنعاج، هو وصف دقيق الى حد بعيد، الا انه لم يكن نتاج ضعف بشخصية الوزراء المتعاقبين، وإنما هو "سياسة" مقصودة وعن سابق تصور وتصميم، فهؤلاء "النعاج" امام كل ما يجري تحت عيونهم من سرقات وصفقات ونهب للمال العام، نراهم سباع ضارية مستأسدة اذا ما اقترب أي قرار أو محاولة قرار له تأثير على مشروعهم الخاص
فاستراتيجية النعاج، قائمة على مبدأ اساسي يقول: إن قوة الحزب ونفوذه وتمدده واستمراره وتوسع حدوده، انما يحي ويعيش فقط على جثة "الدولة اللبنانية" واهترائها وتفسخها، وأي علائم حياة للدولة اللبنانية تعني بنظر الحزب تقلص واضمحلال لمشروعه!! 

بعد انطلاق ثورة 17 تشرين، وما حملته هذه الثورة المباركة من بشائر وعلامات حيوية ونبض في عروق الوطن اليابسة، وبدأت علامات انبات براعم اصلاحية تبشر بربيع لبناني سيزهر شجرة الوطن ويسقط عنه كل شوائب اليباس والموت، إن من خلال المطالبة بالاصلاحات الاقتصادية والمالية ووقف النزف والنهب، أو من خلال تشحيل كل الاغصان المريضة كغصن الطائفية والمذهبية والمناطقية وكل الاغصان التي يختبيء خلفها الفساد والمفسدون.

شعر الحزب مع تفتح كل برعم جديد، بالخطر القادم على مشروعه!، واتخذ القرار سريعا باجهاض هذه الفرصة التاريخية، فخرج علينا السيد في الايام الاولى وامر بيئتة الحاضنة والتي تعاني هي الاخرى كما كل اللبنانيين بالخروج من الساحات (وللاسف فقد أطاعوه )، وبدأ مسلسل شيطنة الثورة والثوار، لا لسبب وانما فقط لتفويت هذه الفرصة الحقيقية في بناء دولة.

وتتالت الاحداث واستمرت الثورة بالرغم من كل العقبات وبالرغم من كل أساليب المواجهة التي كان ولا يزال الحزب رأس حربة فيها، إلى أن وصلت الامور على مفترق خطير ووقف الحزب امام خيارين لا ثالث لهما إما السير بحكومة اصلاحية حقيقية تساهم بإنقاذ ما تبقى من البلد، وتؤسس لدولة حقيقية ولو بعد حين، وهذا ما يعتبره الحزب من المحرمات الكبرى ، وإما الذهاب بحكومة مسخ، هو يعرف قبل غيره أن اللحظة الاقليمية والدولية وحجم الازمة في البلاد لا يمكن أن يساعد على ولادة هكذا حكومات وانها ستولد ميته حتما مما يعني بالضرورة أخذ البلاد والعباد الى الانهيار الحتمي (بدأ منذ اليوم تذاكي كتلة الوفاء للمقاومة بالتنصل من مسؤولية الانهيار القادم) 
وجد الحزب أن الانهيار والذهاب الى المجهول وأخذ الناس الى الفقر والجوع والعوز، هو أقل خطرا على سلاحه ومشروعه، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما قاله السيد بأن رواتب متفرغيه ومقاتليه لن تتأثر البتة مهما كبرت الازمة وتفاقمت، وطالما ان تدفق المال الايراني قد يستمر ولو أصابها الآن بعض الشح، وان سلاحه سيبقى بالمخازن آمنا مطمئنا، اذا لا مانع من تقطيع الوقت على اللبنانيين من خلال حكومة حسان دياب ولو ذهب البلد  الى الجحيم .