منذ يومين فقط احتفل حزب الله بذكرى مرور أسبوع على استشهاد الفريق قاسم سليماني الإيراني، والقائد أبو المهدي المهندس العراقي، تحدّث فيه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بكلمة تأبينية وجدانية، كشف فيها عن الخدمات "الجُلّى" التي قدمها سليماني اتّجاه المقاومة والممانعة في المنطقة العربية، منذ توليه قيادة فيلق القدس الإيراني، فقد كان حاضراً في الضاحية الجنوبية لبيروت إبّان حرب تموز عام ٢٠٠٦، وبقي بجانب المقاومة كلّ أيام الحرب( أكثر من شهر) في غرفة العمليات العسكرية رغم الخطر الشديد وعُنف القصف، وصولاً إلى نهاية الحرب، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ولم يعرف اللبنانيون حينها وحتى اليوم ما هو الدافع الذي أشعل نار تلك الحرب المُدمّرة على لبنان، اللهمّ سوى ذاك الوعد الذي كان قد أعطاهُ السيد نصرالله لذوي الأسير اللبناني سمير القنطار بإطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية( والذي استشهد فيما بعد في سوريا).
 
المهم أنّ السيد نصرالله استرسل في خطابه بسرد فضائل سليماني على لبنان والمقاومة، حين أمدّ المقاومة بمبالغ مالية كبيرة "جدّاً" من أجل التعويض على الناس المتضررين، وقام بتأمين كل ما طلبتهُ المقاومة من قوة ردع، وإمكانيات وخبرات، كما كان  سليماني، وفق ما يقوله السيد نصرالله، حاضراً في سلسلة جبال لبنان الشرقية وجرود عرسال، كما كان حاضراً في البادية وشرق الفرات ودير الزور، ومن زيادة فضل سليماني أنّه لم يُمنّن المقاومة بما قدّمه لها من مالٍ وعتاد، ولم يطلب شيئاً له ولا لإيران، اللهمّ إلاّ مرة واحدة، كما يعترف السيد، عندما طلب من حزب الله بتوجيه قادة عمليات من أجل الدفاع عن الشعب العراقي في بداية محنة "داعش".
 
يستطيع أي مُراقب لحضور خطاب السيد حسن نصرالله من الهرمل إلى سُحمر، إلى الضاحية الجنوبية لبيروت فالنّبطية، أن يجزم بوجود جماهير شيعية غفيرة تستمع لذلك الخطاب، يتقدّمهم نُواب ووزراء ورجال الدين وقادة أحزاب، وحزبيّون ومناصرون وموالون( ومؤمنون بصدقية الأمين العام)، ويبقى السؤال المُلحّ والمُحيّر اليوم الذي يدور في خَلَد بيئة المقاومة والممانعة: أليس اللبنانيون( والشيعة في مقدمتهم) هم اليوم في حالةٍ من البؤس والشقاء واليأس والقرف والضياع والفقر والحرمان والبِطالة، وتفكّك الدولة وانهيار نظامها، وضياع مُدّخرات اللبنانيين في المصارف، ومع ذلك لم يُكلّف السيد نصرالله خاطره ولو بالتفاتة بسيطة للوضع الحكومي المأزوم اليوم، لا بل تركهم ربما يتحسّرون على ظهور "سليماني" ما يحمل لهم ما يمكن أن يرفعهم من تحت أنقاض العهد العوني القوي المتحالف مع حزب الله، والذي هو أثقل وأكثر وطأةً من أنقاض القصف الإسرائيلي على لبنان طوال ثلاثة وثلاثين يوماً.
 
 
قال الشاعر كُثيّر عزّة:
 
فما فرحُ الدنيا بباقٍ لأهله
 
ولا شدّةُ البلوى بضربة لازمِ.