مع دخول الانتفاضة الشعبية شهرها الثاني ، يبدو ان السلطة لا جديد لديها يشي بالاستجابة لمطالب الشارع، وكل ما يتسرب ويدور في الكواليس ما هو إلا مناورات لاطالة امد الفراغ الحكومي. هكذا تبدو الصورة في اعقاب رمي اسم الوزير السابق محمد الصفدي في بازار التكليف ثم التنصل من طرح اسمه.

 

لا يزال التعاطي السياسي مع الأزمة القائمة، وخطوة الاتفاق على تكليف الوزير السابق محمد الصفدي بتشكيل الحكومة الجديدة، لم يمرّ بالنسبة إلى الحراك الذين وجدوا في هذه الخطوة استفزازاً جديداً لهم. فتحركوا بعفوية في الساحات والشوارع رفضاً لهذه التسوية الجديدة التي اعتبروها بأنها تحمي مصالح الطبقة السياسية، وتقفز فوق مطالبهم وهمومهم، وتريد أن تخنق صرخاتهم. فهل أن طرح إسم الصفدي مجرد مناورة تبرر تأخير الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة؟ فتسريب الوزير جبران باسيل للإسم ولموعد الاستشارات كان هدفه اعادة الأمور إلى المربع الأول. أصبح السباق بالنسبة إلى البعض بين الرهان على الوقت والحلول الأمنية، وتمرير التسوية السياسية الجديدة. لذلك، وقبل الإعلان، أو تسريب التوافق على الصفدي، شهدت بعض المناطق توترات أمنية، أو مناوشات بين الجيش والمتظاهرين، لا سيّما في تعلبايا وسعدنايل، وفي جل الديب. لكن الناس رفضت التراجع، بينما كانت القوى السياسية تعمل على إجبار الناس للخروج من الشارع كخطوةٍ إستباقية لأي تحركات ستحصل كردة فعل على تسريب إسم الصفدي كرئيس محتمل للحكومة الجديدة. وفيما بقيت هذه القوى السياسية تعمل وفق منطق تسجيل النقاط بين بعضها البعض، وعلى حساب الناس، استمرّ الاستثمار بالتحركات لصالح اختراقها. 

 


يلعب البعض لعبة الوقت التي يعتقد أنها ستغير قواعد اللعبة، فتسترد السلطة الحاكمة زمام المبادرة من الشارع، لتعيد انتاج نفسها بمساحيق تجميلية، فيما الشارع مستمر بزخمه، حيث تداعى المتظاهرون إلى ما سموه أحد الشهداء. ووسط المشهد السياسي المفتوح على احتمالات إطالة الازمة، استرعى المتابعة التطور الميداني الذي تمثل برفع وتيرة قمع المحتجين على الطرقات، إذ جرى اعتقال عدد من الناشطين الذين تحدث بعضهم عن تعرضه للضرب، ما يطرح علامات استفهام حول توريط الجيش والقوى الامنية في مواجهة مع الشعب المنتفض لحقوقه.

 

إقرأ أيضًا: تجاوز الدستور يفاقم الأزمة... متى الضوء الأخضر للاستشارات

 

إن تعاطي هذا النوع من القوى السياسية بهذا الشكل مع مطالب الناس هو نفسه تعاطيها مع القوى السياسية التي تشكّل خطراً عليها، أو تقف عقبة أمام مشاريعها التفتيتية والتقسيمية والتي لا تتغذى إلا على شعارات التفرقة والعنصرية. ولهذا لا تترك هذه القوى فرصة إلا وتحاول فيها استهداف من يتعارض معهم وللأسف فإنهم لا يتعلمون من أخطائهم، فتفشل رهاناتهم كما دائماً، ولكنهم يدفّعون البلاد الثمن. والاهم ان الدستور نص على استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة، فهل الاجتماعات المكوكية الليلية هي ايضا مصادرة لصوت 128 نائبا وصلاحياتهم الدستورية بهدف الاتيان مسبقا برئيس حكومة معلوم، قبل تحديد موعد الاستشارات؟! عندها، لا يعد التأخير في الدعوة الى الاستشارات مخالفة دستورية او مصادرة لحقوق وصلاحيات، بل بتنا نكرّس زمن السوابق الدستورية غير المعهودة! اذاً، لا يتسترّ احد خلف الدستور ويدّعي انّ ما من مهل. دائما، ثمة مهل معقولة وثمة مهل محددة. انما اهمّ من كل ذلك، ان هناك محاولة لتكريس عرف يقول بتأليف الحكومة قبل تكليف رئيسها، كما لو ان ثمة محاولة لمصادرة صلاحيات رئيس الحكومة المسمى، فنعمد الى البحث في تركيبة الحكومة قبل اجراء الاستشارات التي تعطي رئيس الحكومة صلاحية التأليف .  

 

تكتيك السلطة إذن هو الإصرار على أنه لم يحدث شيء، ولن يتحقق شيء من مطالبهم، وعليهم كما قال الرئيس العودة إلى بيوتهم، لأنّ بقاءهم في الشارع يؤذي البلاد والقسم الأكبر من أهلها!
إنما المشكلة باقية المتظاهرون لا يخرجون من الشارع، وشركاء لبنان العرب والدوليون لن يعجبهم التشكيل ذا اللون الواحد، ولن يساعدوا لبنان. لكن ماذا لو آثروا إبقاء الوضع على ما هو عليه، أي حكومة تصريف أعمال هي القائمة اليوم؟ لقد سبق للبنان أن عرف حكومات لتصريف الأعمال بقيت تسعة أشهر. وهم يأملون من وراء ذلك أن يمل المتظاهرون ويغادروا الشارع، وأن يخضع الحريري وغيره لمطالبهم في النهاية. بيد أن المراقبين يعتبرون ذلك هو السيناريو الأسوأ: لأنّ الفوضى ستنتشر وقد بدأت مؤشراتها، وقَتل عسكري في الجيش متظاهراً. ولأنّ الوضع المالي والاقتصادي لا يتحمَّل. وهنا يوردُ ذوو الخبرة من السياسيين احتمالاً ثالثاً أو رابعاً إعلان حالة الطوارئ وقيام إدارة عسكرية للبلاد. أو عدم إعلانها، والاتفاق حول حكومة عسكرية يترأسها قائد الجيش. لكن لذلك الأمر محاذيره التي تزعج الفريق الآخر؛ إذ إن المتظاهرين يرفضون الطبقة السياسية وقد يرحبون بالجيش. بينما تُعتبر رئاسة عون منتهية.
كل هذه الفرضيات أمورٌ أحلاها مُرّ. ولا سنونو في الأفق، لأننا على مشارف الشتاء.