صرخات الناس في شوارع بيروت هل كانت كافية للتعبير عن ما وصل إليه الوضع في العاصمة ومختلف المناطق
 
تتصاعد الأزمة الاقتصادية الداخليّة وتشتدّ، لا يحتاج اللبناني لا إلى تقارير إخباريّة ولا تحليلات صحافيّة ولا تطمينات مصرفيّة ولا أي نوع من أنواع الجعدنة اللبنانية لا لإثارة قلقه ومخاوفه ولا لطمأنته، مشهد البلد وهو يحترق في اليومين الماضيين والعجز والاختباء الذي أبدته الدّولة كشف ما هو أمرّ وأدهى مما كنا نظن أن الحال قد وصل إليه من عجز فضائحي.
 
ما يعيشه لبنان عملية انتحار حقيقيّة، بل عملية نحر عن سابق تصور وتصميم ينفّذها متواطئون من أجل مصالح مالية وتكديس لثرواتهم على حساب لبنان ومصيره، من الواجب والواقعية التفكير مليّاً بهذا الإنذار الأخير، لطالما حصدت الأوبئة شعوباً بأكملها، لم يعد ممكناً الاستمرار بنتاج ثقافة المثل الشعبي من بعد حماري ما ينبت حشيش.
 
بالتوازي، كان حزب الله يعمل على ترتيب المرحلة الجديدة، أي مرحلة الخروج الاميركي من سوريا، واستتباب الأمر لنظام الاسد، وترجمة ما يراه انتصارات في المنطقة، بواقعٍ جديد في لبنان. كيف سيكون المشهد اليوم؟ ينعقد مجلس الوزراء في جلسة يفترض أن تكون الأخيرة لمناقشة الموازنة. ونظراً لحساسيتها وحساسية الأوضاع، تقرّر بعد اتصال الرئيس ميشال عون بالرئيس سعد الحريري مساء أمس، نقلها من السرايا الحكومية إلى قصر بعبدا. وخلافاً لكل الاجتماعات التي سبقت، كل قرار سيتخذ لن يكون معزولاً عن الاحتجاجات التي شهدتها كل المناطق أمس. والقرارات هنا لم تعد من فئة الضرائب والرسوم، فقد اتخذت الجلسة، مع كلام النائب وليد جنبلاط أمس، منحىً أكثر استراتيجية. كان الحديث مباشراً عن مصير الحكومة. وكان جنبلاط حريصاً على عدم تحميل سعد الحريري المسؤولية منفرداً. قال: كلنا مسؤولون عما وصلت إليه الأمور، وكلنا فشلنا في إدارة الأزمة الاقتصادية. كذلك ذهب، في حديثه إلى أل بي سي آي، إلى حد نعي حكومات الوحدة الوطنية. قال إنه لن يشارك في أي حكومة من هذا النوع. باختصار، الحكومة في مأزق. والائتلاف الذي يشكلها في مأزق. لن يكون أحد اليوم قادراً على رفع يده مؤيداً لأي ضريبة تطال الفقراء.
فرض الناس أجندتهم على الحكومة، او هم يكادون يفرضونها في حل استمرّت التحركات واتجهت نحو العنوان الصحيح. والائتلاف الحكومي عليها أن تفكر في مستقبلها، خاصة أن كرة الاعتراض تكبر، وتكشف أن القوى السياسية  الطائفية لم تعد قادرة على ضبط شوراعها. هذا المسار الانقلابي قد بدأ منذ الصراع على الصلاحيات، وضرب اتفاق الطائف، ومحاولة تطويع كل القوى السياسية، وصولاً إلى الحديث عن قلب الطاولات، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري وهذا ما كنا قد حذّرنا منه أيضاً .
 كل التحذيرات لم تنفع أهل السلطة وأربابها من أجل اتخاذ إجراءات جدية لتلافي أي انفجار اجتماعي، وسياسي، واقتصادي، قد ينعكس في الشارع، ويوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. صرخات الناس في شوارع بيروت كانت كافية للتعبير عن ما وصل إليه الوضع ليل الخميس في العاصمة ومختلف المناطق.
 
إنها ثورة الواتساب. فعلَ فرضُ ضرائب على الواتساب ما لم يفعله فرض ضرائب على الخبز والمحروقات، ولا أزمة الدولار. طبعاً لا يمكن اختزال الانتفاضة التي شهدتها شوارع المناطق المختلفة، وصدحت فيها حناجر المختنقين بقضية ضرائب الواتساب، لكن المسألة مثّلت شرارة تفجير التحركات، وقد طالب المتظاهرون بإسقاط الحكومة وإسقاط العهد.
اخيرا لا يمكننا الا ان نقول كفى لبنان حرائق.