على أمل أن لا تتنهي حياة باقي الأمهات قبل الوصول إلى الخواتيم السعيدة، وقبل أن تخمد نار الشوق لأطفالهنّ، قلوبهنّ.
 

كنهاية كل المظلومين، اختار الموت أن يأخذ نادين جوني باكرًا فجر أمس بالطريقة نفسها التي رحل فيها آلاف الشبان في لبنان، هي تلك المرأة العشرينية التي قرّرت أن تجعل صوتها يصدح على مواقع التواصل وعلى الشاشات وفي الطرقات، تعبيرًا عن تمسّكها بأمومتها وبابنها ونيابةً عن كلّ إمرأة تشاركها هذا الوجع.

 

لا شكّ أن نادين التي لم تعش سوى 29 عامًا على هذه الأرض، باتت اليوم أيقونة المرأة الثائرة،  ومثالاً تحتذي به الأمهات المحرومات من أطفالهنّ، فهي نجحت من خلال سنوات عمرها القليلة أن تُخلّد ذكراها في قضية قد تحتاج لعشرات سنين إضافية من أجل إنصاف الأم، والأمّ الشيعية بالتحديد- وقد لا يتحقّق في بلد مثل لبنان ذلك. لكنّ محاولاتها "الشرسة" في وجه قوانين المحاكم الشرعية الجائرة، التي صُوّرت ورُسّخت في الأرشيف وفي العقول، ستكون بالتأكيد الخطوات الأولى والحجر الأساس نحو التغيير المُنتظر.

 

إقرأ أيضًا: إبن الـ 18 عامًا وُجد مضرجًا بالدم: الانتحار الفرضية الأقوى

 

تلك الشابة المتمردة اعترف لها أحد الناشطين، أنّها استطاعت أن تغيّر من نظرته للحياة ولقضية الأمومة بالتحديد، بعد معاناتها الأمرّين. أكّد بدوره لها ومن خلال منشور على "فيسبوك"، أنّه يفضّل عدم مشاهدة أطفاله للأبد على حرمانهم من والدتهم حتى لو كانت غير مؤهلة لتربيتهم، علمًا أنّه انفصل عن زوجته. لكنّه أكّد لـ نادين أنّه لن يرض بأن يكون مشاركًا في ذكورية المحاكم وظلم القوانين، وهذا ما اعتبره البعض انتصارًا أوليًا وبداية تحقيق القضية- الحلم التي كرّست لها السنوات الأخيرة من حياتها.

 

بالتأكيد نادين ستنجح في تحقيق حلمها غدًا، بعدما شهد العالم العربي كافة على مظلوميتها، ولعلّ معاناتها ستفتح أعين الآباء ولو القليل منهم، على الحق بعدما تمسّك تجار الدين بـ الباطل.

 

منذ أيام، لعنت نادين كلّ صباح لا ترى فيها ولدها، واليوم وُريت في الثرى، ومن الآن فصاعدًا ومع كلّ صباح ومساء، لم يعُد بإمكان أيّ أحد أن يمنعها من مشاهدة طفلها الوحيد، وعلى أمل أن لا تتنهي حياة باقي الأمهات قبل الوصول إلى الخواتيم السعيدة، وقبل أن تخمد نار الشوق لأطفالهنّ، قلوبهنّ.