أدخلنا حزب الله حين أخذته العزة بالنصر، وأدخل نفسه في مرحلة الخطر الذي لطاما عمل على تجنب الوصول اليها، ولا أدري هل هي سقطة سياسية استراتيجية، أم هي نشوة الشعور بفائض القوة!!
 
قيل قديما "الزائد خي الناقص"، وهذا الاطلاق لم يأت من عبث، فقد علمتنا التجربة أن هذه القاعدة يمكن اسقاطها على كل مفاصل الحياة وبشتى متفرعاتها، من الطعام وكثرته المسببة للسمنة والامراض، مرورا بالرياضة والسهر والعبادة ووصولا حتى إلى الانتصارات 
فلبنان بتركيبته ونظامه، استطاع أن يتعايش ولوقت طويل مع "انتصارات" حزب الله الدائمة، وساعدته الظروف والمستجدات على الساحة الاقليمية والدولية أن يراكم انتصاراته كلها ( بالداخل والخارج )، من دون أي انعكاسات سلبية كبرى على التركيبة الوجودية للبلد، حتى أن الحزب نفسة ( والحق يقال )، سعى  للمحافظة الدائمة على الخط الوهمي والحدود الافتراضية بين ما هو حزب الله، وما هو لبناني.
 
هذه الحالة أستمرت ( مع بعض التداخلات ) حتى لحظة انتخاب الرئيس ميشال عون وبعده مع تشكيل الحكومة الحالية، حينها شعر اللبنانيون ومعهم دول لعالم بأن الحزب قد وصل الى نقطة "التخمة" في الانتصارات، فلم يكتف بتعطيل الانتخابات الرئاسية حتى نيل ما يريد، بل وجميعنا يذكر جولات الكر والفر بتشكيل الحكومة وتفاصيلها من عدد الوزارات الى تسمية الوزراء ( سُنة 8 اذار ) وحتى توزيع الحقائب.
 
في هذه اللحظة، أدخلنا حزب الله حين أخذته العزة بالنصر، وأدخل نفسه في مرحلة الخطر الذي لطاما عمل على تجنب الوصول إليها، ولا أدري هل هي سقطة سياسية استراتيجية، أم هي نشوة الشعور بفائض القوة التي تُذهب بالعادة بفطنة الفطين حين يركن إليها ويعتمد عليها فيعمى عن نقاط ضعفة ويكون بهذا مقتله 
 
خطورة الازمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد هذه الايام، تكمن في أنها من دون اي أفق حل، فلعبة "الدولة والحكومة" هي غير "حزب الله" لم يعد لها محل، ولم تعد تنطلي على أحد في هذا العالم، وهذا ما بدا واضحا بعد تبخر سيدر وامواله الموعودة، وهذا ما سيتمظهر سريعا بعد عودة الحريري من الامارات بكفي حنين، وستستعصي الازمة اكثر ويضيق الخناق أكثر فأكثر بعد نشر الرزمة الجديدة من العقوبات الاميركية.
 
أمام هذه الوقائع وغيرها، كنا نبتغي التوجه  الى خصوم الحزب والطلب منهم المبادرة لأخذ خطوات انقاذية تعيد شيئا من التوازن على الداخل السياسي اللبناني،عله يساهم في خلق شق ولو صغير في الحائط الذي وصلنا اليه فنرى من خلاله بصيص نور، إلا أنه وللاسف فإن "انبطاح" من يفترض أنهم خصوم الحزب والتسليم المطلق لرغباته وإملاءاته فرضت علينا ومن باب الترجي على حزب الله، بأن أوضاع الناس وأحوال بيئتك الحاضنة وجمهورك وما يعاني هذه الايام لم يعد يحتمل هذه التخمة من الانتصارات، والبلاد التي تنعمت وانتشت بانتصاراتك هي أحوج ما تكون إلى قليل من "الهزيمة"، لانه حتى في علم العسكر ( اللغة التي يفهمها الحزب ) فقد يضطر المنتصر الى انسحاب تكتيكي، حين لا يرى مناص من المواجهة على أحد المحاور حتى لا يخسر كامل الحرب! 
فلا ضير الان من خطوة الى الوراء ولن نطلب منك ازاحة الرئيس ميشال عون، وانما فقط  فرط هذه الحكومة الفضفاضة، والعمل على تشكيل حكومة تكنوقراط صغيرة ليس فيها للحزب ( ولا لغيره ) أي وزير، للقول للعالم بأنها حكومة لبنان حقا، علها تستطيع إعادة رسم الحدود الضرورية بينك وبين لبنان  ... 
 
فهل يقدم الحزب على "هزيمة" صغيرة لتفادي خسارة البلد؟؟ يا ريت .