تختلط الأمور عند البعض من السياسيين حول مقولة النأي بالنفس بين مصالح الوطن والمصالح الخاصة
 

إذا كان لا يحُقّ للبنانيّين التّدخل في شؤون سوريا الداخلية، خاصّةً بعد أن تلاشت نهائيّاً دعاوى مشاركة أطراف لبنانية بدعم الثورة السورية في أيام انطلاقتها المبكّرة، إلاّ أنّ من حقّهم بالطبع أن تتوقف التّدخلات السورية في الشؤون اللبنانية، والتي لم تتوقف منذ خروج القوات السورية من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ، وقيامه باغتيال كوكبة من أحرار لبنان الذين ناهضوا سياسة الهيمنة السورية من سمير قصير إلى جبران تويني وجورج حاوي وبيار الجميّل وآخرهم محمد شطح، بالإضافة إلى بعض القيادات الأمنية، ومن حقّهم طبعاً أن يُدينوا نظاماً يبعث إليهم متفجرات في سيارة وزير سابق، ليُضبط بالجرم المشهود ويودع السّجن، من حقّهم أن يُدينوا نظاماً لا يتورع عن اتّهام رئيس حكومتهم مع بعض أقطاب السياسة اللبنانية بالإرهاب، واستدعائهم أمام المحاكم السورية ليُحاكموا بهذه التّهمة الشّنيعة، ومن حقّهم أن يُدينوا نظاماً لا يسمح بعودة مواطنيه النازحين إلاّ "بالقطارة"، أو بشقّ الأنفس، وبات من حقّهم الطبيعي أن لا يشهدوا عودة نظام الوصاية السورية وإن بأيدٍ داخلية لبنانية، ومن حقّهم أن يصرخوا في وجه "المُطبّعين" مع نظام القتل والاعتقال والتّعذيب والتّصفيات الجسدية والقصف بالطيران والبراميل المتفجرة واستعمال الكيماوي بحقّ شعبه، والتنكيل بحقّ الشعبين اللبناني والفلسطيني، الذين نالا على يده ما عجزت عنه أيادي الأعداء: كفى استخفافاً بعقولنا ومشاعرنا.

وما هو أهمُّ من كلّ ذلك اليوم، أنّ اللبنانيين الذين اكتووا بنيران الهيمنة السورية لأكثر من ثلاثين عاماً، أن يقولوا لرئيس جمهوريّتهم الذي يضرب بيده طاولة مجلس الوزراء مُدافعاً عن سياسة التطبيع مع النظام السوري: لا لعودة الهيمنة السورية على لبنان مهما كانت الصّعاب، ومهما كانت التبريرات خلاّبة، ومهما كانت المصالح الشخصية والفئويّة غلاّبة.