لم تكن زيارة الموفد الملكي السعودي نزار العلولا للبنان وليدة ردة فعل على زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على حد ما روّج البعض، بل كانت مقررة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري بحيث تتم إثر تأليف الحكومة. وقد حرص العلولا على التأكيد لسائليه مراراً انه لن يزور بيروت إلّا بعد ولادة الحكومة، فيزورها عندئذ مهنئاً وباحثاً في آفاق مستقبل العلاقة اللبنانية ـ السعودية التي دخلت عصراً جديداً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الامير محمد بن سلمان.
 

كان العلولا قد زار لبنان قبَيل فترة التكليف وبعدها مرتين، الأولى في افتتاح جادة الملك سلمان على واجهة بيروت البحرية، والثانية عندما حضر الافطار الرمضاني الذي أقامته السفارة السعودية للمرجعيات والقيادات اللبنانية الرسمية والدينية والفعاليات من مختلف المشارب السياسية والطائفية والمذهبية والشعبية. وخلال هذين اللقاءين نأى العلولا بالمملكة وبنفسه عن الحديث في أيّ شأن يتصل بالانتخابات النيابية أو بالحكومة التي ستنبثق منها، ملتزماً سياسة المملكة التي تعتبر أنّ هذا الأمر شأن داخلي لبناني يعود للبنانيين من دون سواهم حق التقرير فيه، وأنها تؤيد وتدعم كل ما يتفقون عليه لأنّ «أهل مكة أدرى بشعابها».

وفيما وصل العلولا الى بيروت بعد ساعات على مغادرة ظريف، حرص على القول في المطار، والى جانبه السفير السعودي وليد البخاري، وقبل ان يلتقي اي مسؤول لبناني، إنّ الهدف من زيارته هو «تهنئة لبنان بتشكيل الحكومة»، قائلاً: «إن شاء الله تكون فأل خير على اللبنانيين، وعلى العرب كلهم، لأنّ لبنان إذا نهض ينهض العرب جميعاً»، ومؤكداً ان «لا مفاجآت» وانه بعد تأليف الحكومة بات في الامكان تفعيل العلاقات اللبنانية ـ السعودية. داعياً اللبنانيين الى «مزيد من التفاهمات»، معتبراً انّ «اللبناني يتمتع بقدرات يستطيع من خلالها قيادة منطقة الشرق الأوسط، فكل شيء عنده: التراث والثقافة والذكاء».

لكنّ زيارة العلولا تلاحقت وقائعها في ظل مخاوف البعض من تحول الحكومة الجديدة «حكومة تصريف أعمال»، بسبب تبكير أفرقاء سياسيين في فتح ملف الاستحقاق الرئاسي قبل أوانه خريف 2022.

لكنّ «فترة السماح» البالغة ثلاثة أشهر التي أعطيت لهذه الحكومة وعكستها مداخلات النواب في جلسة الثقة، ربما تكون ضامناً، الى حد ما، لعدم اندفاع كثيرين الى استحضار الاستحقاق الرئاسي في مجلس الوزراء، وتحويله مادة تنازع وسجال علني أو خفي بما يعطّل القرارات الحكومية.

وفترة السماح هذه ليست صناعة محلية فقط، وإنما صناعة إقليمية ودولية ايضاً، إذ ثبت فعلاً أنّ ولادة الحكومة بعد نحو 9 أشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري، جاءت نتاج «تسوية خارجية ما» دُبِّرت في اللحظة الاقليمية ـ الدولية الراهنة، وربما تكون أحد عناوين مرحلة جديدة يقبل عليها لبنان والمنطقة وتدلّ إليها التطورات المتلاحقة في الاقليم.

ويعتقد البعض انّ زيارة وزير الخارجية الايرانية للبنان مهنّئاً بالحكومة وعارضاً استعداد بلاده لمساعدة لبنان من المجالين الطبّي والكهربائي الى المجال العسكري وما بينهما، هي إحدى المؤشرات الى تلك التسوية الخارجية.
إلّا أنّ زيارة الموفد الملكي العلولا للبنان بعد ساعات من مغادرة ظريف، قطعت الشك باليقين لجهة انّ ولادة الحكومة ما كانت لتحصل لولا توافق إرادات اقليمية ودولية على وجوب الاستمرار في دعم الاستقرار اللبناني من خلال تأليف حكومة تسهر عليه، بدليل أنّ العلولا قال لدى وصوله رداً على سؤال: «المسار الايراني مختلف تماماً عن المسار السعودي ولا تنافس أو تعارض».

ولم يشأ العلولا الحديث لـ«الجمهورية» عن مضامين لقاءاته، مكتفياً بما كان قاله لدى وصوله. ولكنه حرص على سماع وجهات نظر مَن التقاهم من حلفاء وأصدقاء وقيادات حول مستقبل لبنان وعلاقته بالمملكة، وكذلك حول ما يدور في المنطقة، وقد عمل في بعض اللقاءات على تذليل بعض الشوائب التي اعترَت العلاقات بين بعض القيادات التي التقاها على خلفية تأليف الحكومة. ونقل العلولا الى المرجعيات التي التقاها تهنئة الملك سلمان وولي عهده الامير محمد بن سلمان بتأليف الحكومة، مشفوعة بمبادرة رفع الحظر عن سفر السعوديين الى لبنان كخطوة اولى من مجموعة خطوات يتوقف اتخاذها على ما سيكون عليه أداء الحكومة الجديدة وقدرتها على تنفيذ ما تضمنه برنامجها، ما يعني انّ المملكة تعطي هذه الحكومة بنحو غير مباشر وبلا إعلان مسبق، «فترة سماح» او فترة اختبار لقدرتها على الانجاز والنأي بلبنان عن سياسة المحاور. ويعوّل السعوديون على انّ خطوة رفع الحظر عن سفر رعاياهم الى لبنان ستنعكس ايجاباً على أوضاع لبنان السياسية والاقتصادية والمالية وكذلك على الثقة العربية والدولية به، ما يدفع الى فتح أبواب الدعم السعودي والعربي والدولي عليه.

وحرص العلولا على التأكيد للذين التقاهم أيضاً انّ المملكة حريصة على الاستمرار في دعم لبنان في مختلف المجالات وترحّب بتأليف الحكومة الجديدة، لكنها تعتبر انّ العبرة تبقى في ما سيكون عليه أداء هذه الحكومة وقدرتها على تحقيق الانجازات.

وإذ تدرك المملكة، إنطلاقاً من التجربة والعلاقات التاريخية التي تربطها بلبنان، انّ الأوضاع فيه تبقى دوماً عرضة لمتغيرات، فإنّ بعض السياسيين يعتقدون انّ الانتظار السعودي لِما سيكون عليه أداء الحكومة وإنجازها، يدل بنحو غير مباشر الى انّ الرياض بدورها تمنح الحكومة فترة سماح كتلك التي منحها ويمنحها إيّاها آخرون من جهات دولية ومن كتل نيابية وسياسية، ما يعني انّ فترة السماح هذه تضع الحكومة امام تحد جدي، فإمّا تُنجِز بعد 3 اشهر، وامّا ترحل، خصوصاً انّ في أوساط بعض القوى والكتل السياسية كلاماً عن انّ هذه الحكومة لن تعيش اكثر من 3 اشهر اذا لم تحسّن الأداء وتحقق الانجاز، لأنّ الوضع الداخلي اقتصادياً ومالياً ومعيشياً يقف على «شوار» خطير ويفرض إيجاد معالجات جدية له، او على الأقل وضعه على سكة الحلول.

وفي رأي بعض الدول الراغبة في تقديم الدعم للبنان، سواء التي تنتمي الى مجموعة مؤتمر «سيدر» او الى المجموعة العربية، لن تتخذ اي خطوات عملية في اتجاه لبنان الّا بعد انتهاء فترة السماح أي بعد 3 اشهر، علماً انّ بعض المعنيين يؤكدون انّ التحدي الاكبر للحكومة بعد «فترة السماح» او قبلها هو مدى نجاحها في إطلاق تنفيذ المشاريع المقرر تمويلها بموجب مقررات مؤتمر «سيدر» حتى يبدأ صرف الاموال المخصصة تحت إشراف الدول المانحة ووفق الآليات التي حددها «سيدر».

ويقول هؤلاء انّ العنصر الآخر الذي يفرض على الحكومة الجديدة ان تحسّن الأداء والعمل هو الدول العربية المانحة التي باتت هي الاخرى «تعرف البير وغَطاه»، ولم تعد مستعدة لتمويل تنفيذ اي مشروع يعود بمنفعة على اللبنانيين الّا بإشرافها، خصوصاً في ضوء تفشّي الفساد بنحو صار على كل شفة ولسان، علماً انّ هذه الدول تعلمت من التجربة عندما ادركت انّ مساعدات كثيرة قدّمتها سابقاً قد «تبخّرت».