شمّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن «سواعده الرئاسية»، ونزل شخصياً الى الحلبة الحكومية، وشرع في محاولة وُصفت بالجديّة هذه المرّة، وتبدو الأخيرة، لوقف نزيف الوقت الذي يقترب من إنهاء شهره السابع، وفك أسر الحكومة ووضعها على سكة الولادة.
 

واضح انّ الرئيس يعوّل على مشاوراته التي بدأها مع المعنيين بالملف الحكومي، قال إنّه التقط المبادرة بعدما طال أمد التعطيل، ولا بدّ بالتالي من مغادرة الفشل الذي تحكّم بهذا المسار لأشهر خلت والوصول الى حكومة، والا فإنّ الكارثة هي البديل.

بمعزل عن أصل المبادرة، وكذلك عن الهدف الرئاسي المرجو منها على الخط الحكومي، ثمة أسئلة دفعت بها هذه المبادرة الى الواجهة:

- تعطيل تشكيل الحكومة ليس وليد هذه الفترة، بل عمره 7 اشهر، فلماذا تأخّرت مبادرة رئيس الجمهورية الى اليوم؟

- هل انّ ما أوجب اطلاق المبادرة الرئاسية، أمران اولهما ملحّ، اي تعجيل ولادة الحكومة، والثاني اكثر الحاحاً، اي حماية العهد، وصاغهما الشعور بأنّ ضرر التعطيل صار كبيراً جداً، ليس فقط على الحكومة بما تمثل من سلطة لإدارة شؤون البلد سياسياً واقتصادياً، بل بقدر أكبر من الاضرار على العهد الرئاسي، خصوصاً مع دخول السنة الثالثة من الولاية الرئاسية، دون بلوغ اي من العناوين الكبرى التي طُرحت مع انطلاق عهد الرئيس عون؟

- على الرغم من التأكيدات الرئاسية بالحرص على الصلاحيات وعدم مقاربتها، هل صحيح انّ ثمة همساً سنّياً بدأ يتسرّب من صالونات، قريبة من الرئيس المكلّف وبعيدة عنه، يعكس تشكيكاً بمبادرة رئيس الجمهورية، وعدم رضا عليها من أساسها لكونها، بحسب هؤلاء، تستبطن إعلاناً غير مباشر، بأنّ الرئيس المكلّف فشل في مهمته؟ كما يستفسر هذا الهمس، عمّا اذا كانت قد تمّت بالتنسيق مع الرئيس المكلّف، بوصفهما شريكين في عملية التأليف، أم أنها أُطلقت بمعزل عنه وتمّ إعلامه بها؟ ويتحدّث في الوقت نفسه، عمّا سُمِّيت محاولات لخلق سوابق وأعراف جديدة في تشكيل الحكومة ( تندرج في سياق هذه المحاولات، الرسالة الرئاسية التي كان يجري التحضير لإرسالها الى المجلس النيابي حول تأخّر التأليف)، تتجاوز المادة 53 التي تنصّ على توقيع مراسيم الحكومة بالاتفاق بين الرئيسين، والمادة 64 التي تمنح رئيس الحكومة حقّ إجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة؟

- هل سينجح الرئيس عون في مبادرته، ويتمكّن خلال أيام قليلة من ابتداع حلّ حكومي، استعصى على الجميع منذ بدء مشوار تأليف الحكومة في ايار الماضي؟

- هل يضمن الرئيس نجاح مبادرته فعلاً، وماذا ولو فشلت ووصلت الى طريق مسدود؟

وفي الصالونات أسئلة كثيرة ايضاً، ولكن بصرف النظر عن ذلك، بالتأكيد انّه كان في مقدور الرئيس ان يبادر قبل الآن، وفي اوقات سابقة وقبل اشهر، الى ما يعتبره المقرّبون «خطوات حثّ وضغط للتعجيل بالتأليف، لكن، فخير أن تأتي متأخّرة من الّا تأتي ابداً. من هذه الزاوية يجب النظر الى المبادرة الرئاسية على انها عامل مساعد، وليس عاملاً مضارباً على الصلاحيات».

الواضح، انّ رئيس الجمهورية يضع ثقله مع معنويات الرئاسة وهيبتها، لإنجاح مسعاه والوصول الى لحظة إنقاذية، بات البلد يحتاجها اكثر من اي وقت مضى. والرئيس نفسه يصرّح، بأنّه لا يجوز الاستسلام للفشل، فضلاً عن أنّه لم يعد في الامكان الانتظار اكثر، وتضييع الوقت اكثر.

وان يضع الرئيس ثقله، معناه انه يريد نتيجة سريعة. وكما يقول البعض، انّ رئيس الجمهورية بمبادرته ألزم نفسه بالوصول الى حل، وقد يكون «مخبئاً حلاً» يعتبره الطلقة الاخيرة، سيفرج عنه في نهاية المشاورات. معنى ذلك انّه لا بدّ من منظور الرئيس، ان تنجح مبادرته وتضع الحكومة على سكة الولادة. ذلك انّ فشل هذه المبادرة سيؤدي الى كارثة على حدّ تعبيره، بما يعني انّ البلد كان في مشكلة، فتصبح المشكلة مع فشل المبادرة اكبر واعمق، وتشرّع باب البلد على احتمالات خطيرة.

لكن لنجاح المبادرة لا بدّ من حلّ نوعي مختلف عن مشاريع الحلول، أو الافكار او المقايضات، التي سبق أن جُرِّبت، ولنفرض ان وُجد هذا الحل النوعي، فكيف سيخترق إصرار الاطراف المعنية بالعقدة الحكومية على مواقفها؟ وكيف سيخترق موقف الحريري الرافض إشراك سنّة 8 آذار في الحكومة سواء على حساب تيار المستقبل او غيره، والرافض ايضاً لفكرة توسيع الحكومة الى 32 وزيراً؟ مع انّ فكرة جديدة تمّ طرحها في الساعات الاخيرة، تقول برفع الحكومة الى 32 وزيراً بزيادة وزير علوي يُضم الى حصّة رئيس الجمهورية، ووزير اقليات، وتحديداً انجيلي، يُضاف الى حصّة الرئيس الحريري، مع ترداد اسم النائب السابق باسم الشاب.

وايضاً، كيف سيتم اختراق موقف نواب «اللقاء التشاوري» المصرّين بدورهم على اشراكهم في الحكومة بنائب من بينهم، مدعومين بشكل أكيد من قبل «حزب الله» المتضامن معهم حتى يتراجعوا هم عن مطلبهم؟

يقول أحد المطلعين عن كثب على المشاورات الرئاسية، انّ «الافكار التي يُحكى عن التداول فيها في المشاورات، ليست من النوع الخارق، الذي يمكن ان يعوّل عليه لاجتياز أزمة التأليف، ومع ذلك ينتابني شعور، بأنّ مبادرة رئيس الجمهورية تبدو وكأنها تمهيد لقرار ما سيتخذه في وقت ليس بعيداً، بحيث قد يفاجىء الجميع باعلان تنازله عن الوزير السنّي من الحصّة الرئاسية لصالح تمثيل سنّة 8 آذار».

هنا تصبح الكرة في ملعب الرئيس الحريري. فهل يمكن ان يقبل بتوزير، ما يعتبرها كتلة مفتعلة، سواء عبر نائب منها او بمن يمثلها؟ ولنفرض ان الحريري قَبل بأهون الشرّين، عبر توزير من يمثل نواب 8 آذار في الحكومة، فهل يقبل النواب بوزير من خارجهم، علماً انّهم كانوا حتى يوم امس يعتبرون انّ تمثيلهم من خارجهم يهدم كل ما بنوه، ولا يقبلون الا ان يتمثلوا بنائب منهم، هذا هو قرارهم، و»حزب الله» ملتزم بدعم ما يقررون هم بالكامل.

واضح انّ المسعى الرئاسي امام مهمة صعبة، التفاؤل يكاد لا يُذكر حتى في الاوساط الرئاسية، واما التشاؤم فمساحته كبيرة جداً، وثمة من في هذا الجانب يخشى من ان يكون ما يجري فصلاً من فصول العرض المسرحي الهزلي المملّ، والمتواصل على مسرح البلد منذ ايار الماضي، وضبط فيه جميع الممثلين بالجرم المشهود بشراكتهم الكاملة في التعطيل.