مع بدء أمر العمليات السياسية من طهران بدأ تحرك سُنّة «حزب الله» في لبنان لإعاقة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومحاصرة الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي بالمطالب التعجزية وفرض أعراف وشروط على الرئيس المكلّف وصلاحياته وتوجيه الإنذار الى «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي وبهزّ العصا لـ«التيار الوطني الحر» ورئيسه، وليشكّل نواب سنّة الحزب بعدها غطاءً لحزب ولاية الفقيه للقبض على لبنان حُكماً وحكومةً وقوى سياسية، وقد تجلّى ذلك في الخطاب الحاد الأخير للسيد حسن نصرالله الذي وجّه من خلاله خطاباً قوياً للرؤساء والوزراء والنواب والمفتين والمشايخ والبطاركة والكنائس وللرأي العام اللبناني والعربي والدولي بأن يتنبّهوا الى أنّ لبنان الذي يعرفونه شيء، ولبنان المقبوض عليه من «حزب الله» وبالتالي من إيران شيء آخر، فإما حكومة موالية لإيران وحزبها في لبنان أو لا حكومة ولا دستوراً ولا نظاماً ولا صلاحيات لسلطة تنفيذية أو تشريعية، هذا ما أراد أن يقوله السيد حسن نصرالله في الشكل والمضمون، لأنّ مرشد الجمهورية في لبنان وحده مَن يقرّر حقوق الطوائف والمذاهب وعدالة التمثيل في الطوائف والمذاهب، فهو لا يريد رئيساً قوياً للجمهورية ولا رئيساً لمجلس الوزراء يمتاز بعلاقات عربية أو دولية بحضرة المرشد الذي هو وحده الأدرى بمصالح البلاد والعباد. 

والسؤال الذي يطرحه الرأي العام: لما أرادت إيران وحزبها القبض على لبنان في هذا الوقت بالتحديد؟ هل لأنّ المشروع الصفوي الفارسي بدأ يتساقط في سوريا لمصلحة تمدّد النفوذ الروسي المتنامي في هذا الشرق، والذي بدأ يتهاوى في العراق لمصلحة الوحدة الوطنية بعد أن أُحرِقت الأعلام الإيرانية في المحافظات الجنوبية، ويتقهقر في اليمن وجبالها وأوديتها لمصلحة انتصار الشرعية والحفاظ على عروبة اليمن؟ أم انّ المطلوب أن يبقى لبنان جائزة ترضية لبدء خروج العواصم دمشق وبغداد وصنعاء عن القبضة الإيرانية بعد العقوبات الاميركية المشدّدة على طهران، وإغلاق مصادر التمويلات المالية لميليشيات فيلق القدس الذي ما زال منذ تأسيسه تائهاً في صحارى العرب لم يحدّد خريطة طريق الى القدس على رغم نفوذه وكثافة أذرعه العسكرية المحيطة بفلسطين وقدسها العربية. 

ماذا يريد «حزب الله: من المسلمين السنّة في لبنان؟ ولماذا ارتضى سُنّة «حزب الله» أن يكونوا غطاءً مشبوهاً للمشروع الإيراني؟ وما هي مصلحة هذا الحزب في إفشال عهد مَن عطّلوا موقع الرئاسة من أجله؟ أسئلة كثير يتناقلها الرأي العام اللبناني ومعه كل المخلصين والصادقين في الوطن العربي والعالم الإسلامي.

هل يدرك «حزب الله» وقيادته أنّ لبنان هو صيغة لبنانية عربية دولية للعيش الواحد بين أتباع الديانات التي أنزلها الله تعالى لهداية البشر، وأنّ هذه الصيغة اللبنانية المتوازنة والمتكاملة هي نقيض المشروع الصهيوني التلمودي في فلسطين، وأنّ المساس بالصيغة اللبنانية هو خطٌّ أحمر وبداية صدام مع المجتمع الدولي لن تكون نهايتُه لمصلحة إيران وذراعها العسكرية في لبنان مهما امتلك الحزب من صواريخ وأسلحة ومقاتلين ما زالت أيدهم ملطخة بدماء السوريين والعراقيين واليمنيين بحجّة محاربة الإرهاب الذي صنعته إيران، وأنّ الساحة اللبنانية حتماً هي ليست كساحتي سوريا والعراق، وأنّ بيروت العاصمة لا يمكن أن تكون جائزة ترضية لهزائم المشروع الصفوي الفارسي في العواصم العربية التي توهّم فيها بعض المسؤولين الإيرانيين أنها أضحت تحت سيطرتهم ونفوذهم الأحمق.

صحيح أنّ العرب هم الآن في أسوأ مراحل تاريخهم المعاصر، فهم بين نارين: نار المشروع الصفوي الفارسي من جهة، وجحيم المشروع الصهيوني التلمودي من جهة أخرى، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ العرب هم أصحاب رسالة، ورجال قضية، لا يمكن ان يبقوا كما هم بين فرقة وخصومة وتنازع مهما طال الزمن، ولبنان لن يستمرّ على حاله فإرادة ابنائه اقوى من أن تنكسر وليتعظّ «حزب الله» من الواقع اللبناني، لأنّ منطق الدولة ومؤسساتها سيبقى هو الأفضل والأنجح والأخير للبنان الدولة والمؤسسات، ولأن سقطت المارونية السياسية بأخطائها وخطاياها ومنازعاتها، فلا يمكن للشيعية الفارسية السياسية التي يقودها «حزب الله» والمرفوضة من الشيعية الوطنية العربية أن تكون بديلاً أو قابلة للحياة في وطن كلبنان لا تستطيع أيُّ فئة فيه أن تفرض تصوّرها أو خيارها السياسي أو العسكري على الأخرى، ولم يعد شعار مقاتلة العدوّ الإسرائيلي قابلاً للتسويق بعد التعاون الإيراني ـ الأميركي لإسقاط العراق وضرب قوته ومحاولة إخراجه من فضائه العربي، وبعد تلاقي المصالح الأميركية ـ الإيرانية ومعهما الروسي للحفاظ على المصالح الإسرائيلية في زعزعة او الحفاظ على نظام هذا البلد العربي او ذاك، ومن اجل ذلك فإنّ سُنّة الحزب مطالبون قبل غيرهم بأن يتّقوا الله وأن ينحازوا الى لبنانيّتهم وعروبتهم، وأن لا يكونوا أداةً طيّعة لمواجهة المصلحة الإسلامية والوطنية، فأكثرهم أعضاء في كتل نيابية مشاركة او ستشارك في أيّ حكومة للبنان، فالمرجعية الإسلامية السياسية والدينية خيارها عروبة لبنان وسيادته والحفاظ على «وثيقة الطائف» والالتزام بالنظام والقانون وبصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في التكليف والتأليف وما عدا ذلك فهو جزءٌ من مشروع خارجي لا علاقة له بسيادة لبنان وعروبته ومصلحة أبنائه.

فهل يتّعظ سنّة «حزب الله» المغرّر بهم وطنياً وعربياً؟ أم انهم اصبحوا كالريشة المعلقة في الهواء تُحرّكها مصالح إقليمية بعيدة ومتناقضة مع مصالح لبنان والبلدان العربية التي نطمح الى أن تتكامل مع مصالحها من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي.