يتعرض الرئيس سعد الحريري وفريقه السياسي منذ أسابيع لحملةٍ إعلاميةٍ مركّزة، مدروسة ومشبوهة، متعدّدة الوجوه والمصادر، من قوى ومجموعات كان يُظنّ أنها قريبة أو صديقة، ومن أخرى بخلفية ميليشيوية معروفة بخصومتها لمشروع الدولة ومؤسساتها، رغم الانجازات الكبيرة للحكومة الحريرية، والتي أكد مجلس النواب في جلسته الأخيرة أهميتها، سواءٌ بعودة الثقة الى الدولة ومؤسساتها أو بالعملية العسكرية الناجحة للجيش في جرود القاع وعرسال وغيرها.
 

المؤسف أنّ هذه التحليلات والتسريبات والخبريات المضلِّلة توزّع من خلال بعض صغار الكتَبَة والمحلّلين بإيعازٍ من قوى خفيّة على بعض وسائل التواصل الاجتماعي حيناً، ومن خلال بعض مهووسي التسلّق نحو السلطة حيناً آخر، وكل هؤلاء وأولئك يُظهرون حرصاً خبيثاً مبطّناً بابتسامة صفراء على مصالح المسلمين وموقع رئاسة مجلس الوزراء، وحتّى إنّ البعض من هؤلاء يتظاهرون بحرصهم على موقع ومكانة المرجعية الدينية للمسلمين وحقوقهم المتآكلة في ظنهم، ويهمسون في مجالسهم بإنكفاء العلاقة بين رئاسة مجلس الوزراء ومفتي الجمهورية بسبب هذه القضية أو تلك.

والحقيقة أنّ أقوالهم وتحليلاتهم ومعلوماتهم وهمساتهم ما هي إلّا شعارات ظاهرها حرصٌ وباطنها خبثٌ وحقدٌ، لإيهام الرأي العام بأنّ هناك تفريطاً بحقوق المسلمين وانكفاءً للعلاقة بين المرجعية السياسية والمرجعية الدينية، وهم يعلمون ويدركون تأكيدات مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والرئيس الحريري أنه لم ولن يتحقّق لهؤلاء وأولئك غاياتهم المشبوهة وأهدافهم المريضة في تمزيق وحدة المسلمين أو انكفائهم عن مرجعيّتهم السياسية أو الدينية.

فالمسلمون في لبنان وقياداتهم الوطنية يدركون تماماً خطورة المرحلة وتداعيات ما يحدث في الجوار العربي، وهم واعون بثقة عالية لما يُخطط للبنان والمنطقة العربية ومدركون للتحالفات المحلّية والإقليمية الطامعة والطامحة لتمزيق الهوية العربية وتشويه الثقافة الاسلامية خدمةً للمشاريع الإقليمية الغريبة المتنازعة على الساحة العربية.

لقد طرح الحريري شعار «مصلحة البلد» وعودة الثقة الى الحكم والحكومة، وطرح بعضهم شعار مشروع «نصرة المحاور الإقليمية» من خلال دويلة الأمر الواقع وسلاحها، لتحقيق أهدافٍ وأحلامٍ واهية بهدف الوصول الى شاطئ البحر المتوسط من غزّة الى لبنان وصولاً الى الساحل السوري، لإقامة مواقع وقواعد عسكرية ترفع شعار تحرير فلسطين، وتُخفي مشروعها المذهبي والعِرقي المعادي لمصلحة أمتنا العربية من المحيط الى الخليج.

إذاً من المؤكد أنّ القضية الأساسية الآن لدى البعض من الأفرقاء هي العمل على إسقاط الهوية الوطنية والعربية عن هذا البلد وإلحاقه تارةً بالمشروع الفارسي وطوراً بالمشروع التلمودي، ومحاصرة لبنان بكرة اللهب المشتعلة في أكثر من بلدٍ عربي بحجّة محاربة التطرّف والإرهاب، وإن كان بعضهم بغلوّه ومذهبيّته وعنصريته أكثر خطورة من تطرّف مجموعات الإرهاب وخلاياه المنتشرة المحصّنة والمدعومة من قوى خفيّة، لا يمكن لها أن تعيش إلّا على الفتن والفرقة بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة.

فالحكم في لبنان غُرمٌ وليس مغنماً يمكن السعي إليه، وهو كرة لهبٍ حارقة تتقاذفها المصالح المحلية والإقليمية والدولية. وحده الحريري تعالى عن مصالحه الآنية القريبة والبعيدة والتقط كرة اللهب ومعه بعض القيادات المخلصة لإبعاد لبنان من حريق المنطقة وكرات اللهب المشتعلة في دمشق وبغداد وصنعاء وبنغازي.

فمتى تستيقظ النفوس الحالمة والواهمة بأنّها لا تستطيع أن تصل الى موقع القرار الذي تريده إلّا بتشويه الحقائق وإيهام الرأي العام بأنّ موقع رئاسة مجلس الوزراء في خطر وأنّ المواقع الإسلامية تتساقط بفعل التراخي من المرجعية السياسية حيناً أو الدينية حيناً آخر.

فالمسلمون في لبنان هم الأساس في وجود لبنان ووحدته وعروبته وسيادته، وقدر المرجعية السياسية في لبنان تاريخياً أن تحمل كرة اللهب الحارقة لتحمي لبنان ووحدته، وهم الذين سقط منهم الشهداء، رؤساء حكومات، ومرجعيات دينية ونيابية ووزارية لتبقى الهوية الوطنية والعربية لهذا الوطن، وتستمرّ ثقافة الاعتدال والوسطية والعيش الواحد بين المواطنين.

والحريري الآن قدره أن يحمل كرة اللهب هذه، في أخطر مرحلة تمرّ بها المنطقة العربية والإسلامية نتيجة التنازع الدموي بين المصالح والمشاريع الإقليمية والدولية على ساحتنا الوطنية والعربية.

فعبثاً يحاول المفسدون تشويه الحقائق، فالمرجعية السياسية المتمثّلة بالحريري والمرجعية الدينية المتمثلة بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومعهما كثير من القيادات المخلصة ستبقى كعهدنا بها صفاً واحداً في السراء والضرّاء لحماية المسلمين واللبنانيين جميعاً، ليبقى لبنان سيداً حراً عربياً مستقلاً، لا سلطة فيه إلّا سلطة الدولة ومؤسساتها، ولا سلاح إلّا سلاح جيشها الوطني الذي انتصر بالتفاف الشعب حوله في معركة «فجر الجرود»، مع القوى الأمنية الرسمية، حيث لا قرار للسلم أو الحرب إلّا قرار الدولة حكمًا وحكومة.