الانسان هو الهدف الأساسي للشرائع الالهيّة، الّتي أنزلها الله على هذه الأرض منذ أن خلق آدم أبو البشرعليها، والانسان هو محور الاهتمام والوجود، كرّمه الله تعالى منذ أن خلقه ككائن بشري، ومن أجل ذلك كان قول الله تعالى لملائكته (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ومن هنا تتوضّح حياة الإنسان ومسيرته وأخطاءه وخطاياه.

فمهمة الأنبياء والرسل، ورسالة الشرائع الالهيّة هي عبادة الله الواحد الأحد، وتصحيح مسيرة الحياة، والعمل لإعادة الإنسان الى جادّة الصواب، ليستمر في المهمّة الّتي من أجلها كانت غاية وجوده أن يعبد الله، وأن يكون خليفة لله على هذه الأرض، ويمكث على هذه الأرض، فترة قليلة من الزمن لينتقل بعدها الى عالم ما بعد الحياة الدنيويّة (...وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) فالدين واحد، هو أن نعبد الله و نعمّر هذه الأرض بالايمان والسلام، والمحبّة والرحمة، وأن يكرّم الانسان أخاه الانسان.

والشرائع متكاملة منذ دعوة سيّدنا ابراهيم عليه السلام ومَن جاء قبله وبعده من الأنبياء والرسل، ولذلك علّمنا الاسلام أن نحترم ونقدّر ونؤمن بما جاء من الشرائع وما أنزل من الكتب على ابراهيم وموسى والمسيح عليه السلام، قال الله لنا معشر المسلمين والناس أجمعين (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

وبهذا المعنى فإنّ التلاقي والتعارف واحترام الآخر من أبناء أتباع الشرائع الّتي سبقت الاسلام، والايمان بكل الأنبياء والرسل الّذين جاؤوا قبل محمّد عليه الصلاة والسلام هو أمر الهي، وواجب ديني، وضرورة أخلاقيّة، وحاجة انسانيّة لصناعة ثقافة الايمان والسلام والأمان والعيش الواحد بين المؤمنين والناس أجمعين.

فالتنوّع الديني والاختلاف اللّغوي بين الأمم والشعوب هو من سنن الله، وهو وحده الّذي يحكم بين النّاس، ولذلك كان قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) اذا الله وحده هو القادر على كلّ شيء وهذه عقيدة كل المؤمنين، قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).

ومن المؤسف والمحزن في هذه الأيام، أنّ هناك بعض الجماعات والفئات من أتباع الشرائع الّتي أنزلها الله لعبادته وخدمة الانسان وتكريمه، استخدمت في ما مضى، وتستخدم الآن النصوص الدينيّة في غير محلّها، وتخرجها عن سياقها، وتؤوّلها لمصالح سياسيّة، بهدف ممارسة الارهاب أو احتلال الأرض واغتصاب النساء، وتدمير الأوطان وتهجير الشعوب، وقتل الآمنين في الكنائس والمساجد، وأحياناً ابادتهم باسم الدين، والاسلام والمسيحيّة براء من هذه الممارسات اللاإنسانيّة والوحشيّة.

فالخير والحياة من الله، والحروب والآلام، والشرور والآثام، من صناعة الناس وقادتهم الّذين انحرفوا عن جادة الصواب، وابتعدوا عن مسيرة الايمان والسلام، والرحمة والمحبّة، الّتي أمر بها الله تعالى عباده، وجاء بها ابراهيم وموسى والمسيح ابن مريم والرسول محمّد عليهم الصلاة والسلام.

فالشرائع الالهيّة هي دعوة الى عبادة الله والى الحرّية والعدالة والعيش الواحد بين الناس، ولذلك كان قول الله لنا جميعاً (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

فالسلام والحوار والتعارف بين الأمم والشعوب هو الأصل، والحروب والدمار هي استثناء ولا يمكن للدين والشرائع الّتي أنزلها الله أن تكون سبباً للقتل والتهجير والإبادة، سواء كانت للانسان أو الحيوان، قال عزّ وجل (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

ونحن في هذا الشرق، شرق الأنبياء والرسل والكتب الالهيةّ، حاجتنا الماسّة والأساسيّة هي السلام والاستقرار، والعدالة والتنمية، وعيشنا الواحد مسلمين ومسيحيّين وأتباع الثقافات والحضارات الأخرى هو الرد العملي على مَن يدعو من هنا أو هناك الى الصدام أو النزاع بين الحضارات والثقافات في هذا الشرق المبارك، الّذي أكرمه الله واختاره ليكون مهبطاً للرسل والأنبياء، وموئلاً للتوراة والإنجيل والقرآن.

فالأرض ومن عليها هي ملك لله وحده، ونحن بني النّاس جميعاً عبيد لله، وموجودين بصورة مؤقتة وبمهمّة محدودة على هذه الأرض، ومكاننا الطبيعي والأزلي هو في عالم ما بعد الموت... لقوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) اذا لماذا هذه النزاعات والحروب؟ ولماذا هذا القتل والإبادة وتهجير الشعوب؟ وتخريب الأوطان؟ واحتلال الأرض، ونشر الفساد والإفساد بين االناس.

الدين لله وهو واحد، والشرائع متعدّدة... وهي ارادة الله، والحرّية والعدالة وحق الانسان في اختيار المكان والزمان هي من صنع البشر، وأبناء هذا الشرق يطمحون للعدالة والحرّية، والعيش في سلام وهم أهل لذلك، وأوضاعنا الراهنة والمؤلمة تدعونا لأن نقول لصنّاع القرار، أي للدول الكبرى، ارفعوا أيديكم عن هذا الشرق المبارك، شرق الأنبياء والرسل والكتب الإلهية التي أنزلها الله، لخدمة الانسان ليعيش بحرّية وعدالة وايمان وأمان.

ونحن في هذا الشرق أهل ايمان مسلمين ومسيحيّين وحتّى يهود، نعيش معاً منذ ألف وأربعمئة عام، لا مكان أو مكانة للإرهاب أو الغلو أو التطرّف أوالعنصريّة بيننا، ومنظمات الارهاب وأخواتها صناعة مستوردة الى هذا الشرق العربي والاسلامي لا نريدها! فهي شر مطلق.

ولا مكان ولا مكانة لفكرة الاقليّة أو الاكثريّة الوافدة الينا، وهي بلاء وفرقة قاتلة، فنحن مواطنون متساوون جميعاً في الحقوق والواجبات، نعبد الله الواحد، وننتمي لأرض واحدة، ونسعى لخدمة الانسان ذكراً كان أم أنثى، ولذلك علّمنا نبي الاسلام محمّد عليه الصلاة والسلام (كلّكم لآدم وآدم من تراب) وعلّمنا أيضاً (المسلم من سَلِمَ النّاس من لسانه ويده).