في مجلس سياسي، إنبرى سؤال اعتُبر بسيطاً، لكنه شكّل مفتاحاً لتشخيص المرض الحكومي، ولكن من دون أن يوجد العلاج.
 

السؤال: من يعطّل تأليف الحكومة؟ فقابله «جواب مسؤول» وبلا تردّد: «كلهم. لم يعد السكوت جائزاً على هذه المهزلة».

بدا السؤال والجواب كمفتاح للقلب، فأخرج ما يختلجه: «ما يبعث على السخرية والوجع، انّهم كلّهم نفضوا أيديهم من دم التعطيل، وقدّموا وما يزالون يقدّمون أنفسهم للناس طاهرين أنقياء أتقياء، عنوانهم التعفّف والترفّع والتعالي على كل مصلحة، وأمّا خلف الجدران، فلا ترى سوى النقيض لتلك الصفات، متاريس ودشماً سياسية صعبة وصلبة، وأفواهاً مصابة بجوع عتيق، وإرادات همّها أن تأخذ ولا تعطي، وألسِنة تتقاذف المسؤوليات والاتهامات والكلام الكبير الذي لامس الشتيمة والإهانة في كثير من الاحيان».

يقترح أحدهم، «في هذه الحالة، قد ينفع إجلاس طباخي الحكومة على كرسي الإعتراف، فربما تنكشف للناس حقيقة التعطيل». لكن «الجواب المسؤول» جاهز: «بالتأكيد هم لا يجرؤون على قول الحقيقة، ولو أنّهم اعترفوا أساساً بأنّهم مذنبون، لما تجرّأ بعضهم على رمي بعضهم الآخر بحجر».

لماذا يعطّل «حزب الله» الحكومة؟ فيأتي جواب رادع: «لقد اتهموا الحزب، بأنّه افتعل عقدة تمثيل من يُسمّون «نواب سنّة 8 آذار»، أتصدّقون أنّ هذه العقدة مفتعلة، من يبحث عن عمرها، فليسأل رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وكل الاطراف من دون استثناء.

ويضيف: «هذه العقدة واحدة الى جانب سلسلة العقد، لا بل «جنزير» العقد التي أكلت اشهراً من عمر البلد، ومالت به ذات اليمين وذات الشمال وحتى الى فوق والى تحت:

- عقدة حجم الحكومة بين ثلاثينية او من 32 وزيراً.

- عقدة الحصّة الرئاسية بين مصرّ عليها وبين رافضٍ لها.

- عقدة «من يشكّل الحكومة»، رئيس الجمهورية أم الرئيس المكلّف، وما رافقها من كلام كبير واشتباك الصلاحيات، الى حدّ أن شهر فيه سلاح الاعتكاف، واعتلاء قيادات سياسية ومراجع ومجالس دينية المنابر.

- عقدة الثلث المعطّل، والإصرار على 11 وزيراً لـ»التيّار الوطني الحرّ» مع الحصة الرئاسية.

- عقدة تمثيل «القوات اللبنانية»، والعصف الفكري والسياسي والهجومي والشتائمي الذي رافقها وأودى بحياة تفاهم معراب.

- عقدة التمثيل الدرزي، ومنع وليد جنبلاط من الظفر بحصر التمثيل الدرزي في الحكومة بالحزب «التقدمي الاشتراكي»، والإصرار على تمثيل طلال ارسلان، اياً كانت الاعتبارات.

- عقدة الحقائب السيادية اولاً، ومحاولة الاستئثار بالحقائب المصنّفة خدماتية ومدهنة.

- فوق كل ما سبق، تأتي العقدة الأساس، وهي عقدة استبعاد حزب «الكتائب» والحزب «القومي» عن الحكومة، دون تبيان الأسباب، برغم امتلاك كل منهما كتلة من 3 نواب، في مقابل إلحاق كل الآخرين، توّجتها عقدة المعايير المتناقضة والفاقعة بفوارقها، والتي جاء من خلالها التمثيل إنتقائياً غير متوازن او عادل، وعلى سبيل المثال: ( 6 وزراء لكتلة من 29 نائباً، و6 وزراء لكتلة من 20 نائباً، و4 وزراء لكتلة من 15 نائباً، و3 وزراء لكتلة من 17 نائباً، و3 وزراء لكتلة من 13 نائباً، ووزير لكتلة من 3 وزراء، ووزيران لكتلة من 9 نواب، ووزير لنائب محظوظ).

أمام هذا الواقع، يضيف صاحب الكلام: «بناء على ما أسمعه من طبّاخي الحكومة، أكاد أكون واثقاً بأنّ الأمل في ولادتها مفقود بالكامل، لا أتحدث عن أيام ولا أسابيع، أخشى أنني أتحدث عن أشهر».

يعقّب احدهم: «يقولون إنّ الحكومة قبل عيد الاستقلال؟».

فيأتي الجواب «كذب الطبّاخون ولو صَدقوا. يروّجون الآن لحكومة قبل الاستقلال، ولكن دعونا نعود قليلاً الى الوراء، فقبل أشهر قالوا الحكومة بعد «سيدر»، ثم قالوا الحكومة قبل شهر رمضان، وبعدها قالوا قبل عيد الفطر، ثم قالوا قبل عيد الأضحى، ثم قالوا قبل عاشوراء، وقبل أيام قالوا عن حكومة بعد اغتيال جمال خاشقجي، ثم قالوا الحكومة بعد العقوبات على إيران.. عيد الاستقلال على بُعد أيام، وبعده سيأتي عيد الميلاد وبعده عيد رأس السنة، وهكذا، الموسم موسم أعياد، إنّهم يلهون الناس بلعبة المواعيد».

خاتمة الجواب المسؤول لافتة ومعبّرة وفيها: «أسوأ اللحظات عندما يتبيّن لنا انّ العالم يتندّر علينا الى حدّ السخرية منا، والأسوأ، عندما يصل إليك ما يقولونه عن حرص دولهم، وتحديداً الدول الاوروبية، على لبنان، وانّها تريد له الأمان والاستقرار، وأن ترى حكومته وقد تشكّلت سريعاً، لكي تتمكن من مواجهة التحدّيات السياسية والاقتصادية. وتشعر بعدم القدرة على الكلام، حينما يقولون إنّهم ينصحون اللبنانيين، لكنهم لا يفهمون لماذا يتأخّرون ويعطّلون أنفسهم. أمام هذا الكلام لا تستطيع ان تبرّر او أن تنشر غسيلك أكثر مما هو منشور، بل تقرّر الشعور بالوجع، لانّ الخارج يبدو حريصاً على بلدنا أكثر منا نحن أبناء البلد».