السؤال كما ورد :مولانا سماحة الشيخ ..لقد أكدت الشريعة الإسلامية على موضوع المداراة ومن جهة أخرى وردت بعض النصوص والإرشادات حول إعتماد الصراحة والمكاشفة ومنها ما روي عن النبي (ص) " لو تكاشفتم لما تدافنتم " وفي بالنا أيضا إستفهام حول الفارق بين الصراحة والوقاحة ؟. زاهي / لبنان 

الإجابة : بالنسبة للسؤال يجب أن نلتفت إلى أن كثيرا من الناس خصوصاً الأخوة المؤمنين للأسف الشديد اتخـذ الصراحة سلاحا فتاكا للتجريح في الآخرين،فأمسى يرقص بكل جرأة ووقاحة على جراحهم أو على عيوبهم ،وتجرد من كل معـاني الإنسانية والرحمة .فهو يجرح هذا ويؤذي ذاك ..هذا في وقت قد يكون فيه بعض الناس بحاجه إلى من يلملم أجزاءهم المتناثرة ..فبدل أن يداوي الجراح تراه يزيد الجـرح جراحاً،والكثيرون من الناس قد قاسوا في حياتهم من الألم والجراح ما يكفيهم وهنا فقد يحتاج الإنسان لمن يخـفف عنه الألم ويداوي فيه الجراح ..
ولكن الواقع يصدمك ويجعلك تتمنى الموت ألف مرة ،عندما تجد أن من كنت تظنه جسر العبور إلى بر الأمان هو نفسه من يسقطك من أعلى الجسر إلى الهاوية وعذره في ذلك أنه لا يستطيع أن يقول إلا الصراحة !
نعم .. أكدت الشريعة على موضوع الصدق في التعامل كما أكدت على المكاشفة وذمت النفاق ،ومن هنا فنحن معنيون أن نكون من أهل الصراحة إذا كانت الصراحة تنفع وتزيل النفور وتكسر الجليد وتعيد الأمور إلى مجرياتها الصافية .. نعم الإسلام يقول لنا :فلنكن صريحين ولكن ليس بإحراج الآخرين ..لنكن صريحين ولكن لنراعي مدى الألم والحزن الذي قد تسببه بعض أساليب الصراحة . وهنا يجب أن نؤكد على أن الصراحة لا تنفع ولا تعيد بناء شيء إلا في أجواء طهارة النفوس من الغل والأمراض النفسية وعقدة الشوفانية العظمى .. فالكثير يجرح ويدوس ويرقص على جراح الآخرين ويُبكي أعينهم ،وأحيانا قد يقع علماء الدين والدعاة ورجال الدين وبعض المتدينين المتحمسين في هذه المثلبة في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..وهنا يجب أن نلتفت إلى أن الله لا يطاع من حيث يعصى .
وهناك صنف آخر من الناس يعيش بعض العقد والأمراض النفسية فلا يحب من أحد أن يصارحه بينما هو يحب ان يصارح الناس .. لا يحب من احد ان يتحسس منه بينما هو دائما يطلق العنان لتحسساته من الناس، وهذا مشكلة أخرى أيضا ، تحتاج إلى معالجة ،فترى بعضهم يقول :أنا صريح ، ثم تتفاجأ أنه قد أخذ الصراحة قناعا له لكي يجرح من حقد قلبه عليه ،فالصراحة هي سلاحه لكي يشفي غليل قلبه من أحقاده التي لا يمتلك أن يخرج منها .وخصوصا مع من يعتبرهم في نظره خصوما أو أعداء فينقض عليهم بالمحاكمة بصورة الصراحة .. 
وأنا أنصح نفسي والمؤمنين أن يلتفتوا جيداً إلى أنفسهم فقد لاحظت شخصياً في بعض مجتمعات المؤمنين كيف يفتك سوء الظن بهم وأن كل واحد منهم يقدم وجهة نظره في ظل غياب الطرف الآخر وقد لاحظت أن الشرخ يزداد فيما بينهم.. 
ونصيحتي لهؤلاء هي أن يجلسوا معاً وجها لوجه وأن يتكاشفوا فيما بينهم،بعيداً عن الباطنية ،وبمعنى أن يقول كل طرف وجهة نظره ولكن بعيدا عن التهجم وسوء الظن والتحامل المسبق وتقول الأقاويل عن بعد وضرورة إعتماد الحوار الهادئ للوصول إلى فض النزاعات وسوء التفاهم ، والإلتزام بالتواضع وخفض الجناح خلال المحادثة حتى لا تستنفر طريقة الكلام من أي طرف عنفوان الطرف الآخر منكم ومكانته .
نعم إستخدام الصراحة أحياناً في بعض الحالات والظروف والمجتمعات المأزومة قد لا تزيد الطينة إلا بلةً . وليس ذلك بسبب أن المشكلة في أصل الصراحة وإنما المشكلة في صدور الناس والبيئة العامة التي لا تتقبل ذلك ..إذا قد يتورط المرء أحيانا في نقاش الصراحة في أن يتدخل في عالم نيات القلب ومكنونات الصدر، فيحاول أن يلزم الطرف الآخر بقصد لم يمر في باله قط والحجة في ذلك كله هي الصراحة .. والمغزى الخلفي من وراء ذلك هو تسجيل النقاط وهزيمة الخصم وكل ذلك من حبائل إبليس . ومجتمعاتنا في الوطن الأم وفي المغتربات تضج من ذلك .. وفي هكذا ظروف تصبح المصارحة عقيمة ..نعم هناك فرق كبير بين الصراحة والوقاحة ،وبين قوة الشخصية وقلة الأدب ..ولأن هذا المورد قد يكون أحيانا من محال إبليس وشباكه ، وفي قناعتي فإن الصراحة تحتاج إلى اهلها ومن يتحملها وذلك قليل في زماننا .. أما الفرق بين الصراحة والوقاحة فيمكن القول : 
الصراحـة : هي إبداء الرأي بكل وضوح, مع مراعاة شعور الشخص الآخر . 
والوقاحــة : هي إبداء الرأي بكل وضوح, مع عدم مراعاة شعور الشخص الآخر . 
وهنا ندرك معنى الصراحة ولكن هناك من يجهل هذا الخيط الرفيع بين الصراحة والوقاحة , ويعتقد أن ما يقوله هو الصراحة.. وهي أساساً الوقاحة بعينها . 
فالصراحة قد تجرح ولكنها حقيقة , أما الوقاحة فهي حقيقة ولكن لا تجرح فحسب , بل قد تشعل نارا بداخل الإنسان الذي وجهت له تلك الوقاحة ..لأن الوقاحة والصراحة كلاهما متشابه , ولكن الاختلاف في طريقة العرض وفي الخلفية أيضاً .
مثلاً.. لو كان هناك معلم لا يحسن التدريس يُفترض من المدير توجيهه بصراحة فيقول له.. 
ربما لا تزال تحتاج إلى الكثير كي تصبح معلماً ناجحاً , ولكن هذا لا يمنع أنك جيد ولكن يجب أن تحاول لتكون أفضل مما أنت عليه الآن .. هذه هي الصراحة .
أما الوقاحة .. أن يقول له المدير .. أنت سيئ جداً وكان يجدر بك أن لا تكون معلماً لأنك لا تصلح لمهنة التدريس وينقصك الكثير من الخبرة كي تكون معلماً ناجحا . 
هذا هو الفرق .. صحيح أن المدير قال الحقيقة في كلا القولين , ولكن في قوله الأول كان يوجه المعلم بصراحة كي يدفعه للنجاح ..
أما في القول الثاني فهو كان يوجه المعلم بوقاحة مما يسبب له إحباطا وجرحاً لمشاعره . 
أقول لكم يا أحبائي :من الممكن أحيانا أن تفهم الأخلاق والصراحة بالمقلوب وبطريقة عكسية, خصوصا عندنا في مجتمعاتنا اللبنانية حيث هناك الكثير من التوترات والضغوط وتعب الأعصاب ، وهناك فئة نادرة تتواضع للحق وتفهم مادة الأخلاق وأساليب التفاهم والحوار بالشكل الذي ينفع به نفسه ويكمّل نواقصه . 
ولكن في النهاية فإن كل شخص عاقل واثق من نفسه يعرف جيداً أسلوب الحوار وآدابه , ويعرف أيضاً مفهوم الصراحة ومفهوم الحرية ويعرف أن الصراحة قد تكون مؤلمة نوعا ما .. ولكنها إذا قدمت بالشكل اللائق وفي الزمان والمكان المناسبين فإنها ستكون إيجابية النتائج ،أما إن قدمت بإسلوب إنتقادي لاذع وبطابع هجومي فوقي بحت وبشكل لا يليق ،فهنا تكون قد تجاوزت حدود الصراحة ودخلت إلى عالم الوقاحة والأذى المحرم ..
نسأل الله سبحانه أن يبعدنا جميعا عن أفخاخ الشيطان ويجعلنا ممن يستمع القول ويقرأ الكلام فيتبع أحسنه .. وعلينا دائما أن نصغي لما يقوله سبحانه وتعالى مخاطبا رسوله الكريم :
(فَبمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
وقال أيضاً جل شأنه: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) 
وتلك هي فعلاً أخلاق رسول الله (ص) فقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ..يقرب الناس إليه ويحببهم في الاسلام..ويجادلهم بالحكمة والموعظة الحسنة..فيتخاطب مع كل فئة بالأسلوب الذي يناسبهم ويلائمهم..وكان لهم المعلم والقدوة .. في حسن الخطاب والرقة في التعامل ..وقد نزلت هذه الأيات الكريمات توجيها ومنهجا لخير الخلق ..فكيف هو حالنا ..!!! 
نسأل الله لنا ولكم التوفيق لصالح الأعمال والحمد لله رب العالمين 
مع دعائي لكم / الشيخ عباس احمد شحادي 20/7/2011