إن الذين يريدون بحق تطبيقات الحياة الإيمانية وتحقق العبودية لله تعالى في وجودهم، والالتزام بالتكاليف الإلهية والمسؤوليات الشرعية، فإنهم سيواجهون حتماً صنوفاً من الأذى والتضييق والتنكيل بكل أنواعه، وسيكثر أعداؤهم والحاقدون عليهم ..وكلما تقدموا أكثر في حياتهم وإنجازاتهم فإنهم سيرون هذه النبوءة القرآنية متحققةً أمام أعينهم وفي حياتهم الشخصية والرسالية أيضاً ،ومن الطبيعي حينئذ أن تصبح حياة الصالحين ممتلئةً بالمظلومية، فإنه كلما كانت مرتبة الإنسان من حيث الإيمان والعمل أرقى درجةً وفاعليةً ،فإنه سينال من الأذى والمصائب ما يتناسب مع مرتبته الروحية ومؤهلاته المعنوية، وعليه أن يزيد من قوة تحمله وصبره  ومن هنا يستحب وربما يجب تحمل الأذى في سبيل الله جلت عظمته، تأسياً بالرسول الأكرم (ص) وعدم الكلل والملل واليأس وهوالقائل (ص): "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت "وأي أذى أعظم وأشد وأشق من استهزاء المشركين به (ص) وتكذيبهم له، ورميه بالسحر والجنون وما شابه ذلك ،إضافة إلى إيذائه (ص) جسدياً ولطالما رماه المشركون بالحجارة حتى أنه (ص) كان يطوف فشتمه عقبة بن أبي معيط وألقى عمامته في عنقه وجره من المسجد .ولقد كانت أنواع الازعاجات الايذاءات في حد ذاتها وبما هي هي من أشد الايذاءات وأشقها وأكثرها إيلاماً، فكيف لو قيست بالنسبة إلى شخصية النبي الأكرم محمد )ص) بما له من حضور رسالي ومكانة روحية ومعنوية وإلهية سامية حيث لا أكمل ولا أشرف منه ، ومن المعلوم أن الفرد كلما كان أكثر كمالاً كان إتهامه بالتهم البذيئة أشقَ عليه وأقسى كما لا يخفى على ذوي الحجى ، ومع كل ذلك كله تحمل (ص) وصبر وجعل ذلك كله في عين الله ومن أجل رضاه،حتى قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ومن الواجب علينا أن نتأسى به (ص) ففي الحديث الشريف عنه (ص) :"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل" وقد قال القرآن الحكيم: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً) وقد ألمح إلى ذلك علي أمير المؤمنين (ع) بقوله : " ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه " وفي الحديث عن النبي (ص) :"أفضل الأعمال أحمزها" والمراد: الأكثر صعوبة وإتعاباً، فإن كل ما كثر تعبه ـ بطبيعته ـ تكون نتائجه الدنيوية والأخروية أفضل وأكثر، وهكذا قضت المشيئة الإلهية فقضى سبحانه وتعالى أن الهدف كلما كان أسمى كلما تزايدت المصاعب والمتاعب من أجله كماً وكيفاً ،مادياً أو معنوياً، وقد "حفت الجنة بالمكاره " وكفى بالله سبحانه هادياً ونصيراً .

الشيخ عباس احمد شحادي