مهما أمسيتَ خبيراً في علوم الأنسنة والإجتماع،فإنك لن تنجح دائماً في معرفة منهجية تفكيرك ولا منهجية التفكير لدى الآخر الذي يطل عليك في كل مرة بنمطٍ من التفكير يختلف عن سابقه،ولن تستطيع أن تتوقع منحى تصرفاته معك .. كما لن تنجح على الدوام في ضبط إيقاعات تصرفاتك أنت لأنك تقف أصلاً على أرض لا تهدأ فيها الزلازل والإضطرابات النفسية في مجتمع مأزوم نفسياً ومعقّد عاطفياً ،ففي هذه اللحظة من الزمن وعلى مستوى العالم كم من إنسان يمسك يد إنسان وهو لا يحبه،وكم من إنسان يحب إنساناً وهو لا يقدر على اللقاء به،وفي هذه اللحظة أيضاً ثمة إنسان يشتاق إلى إنسان ولكن لا ينجح في الوصول إليه لأنه عانقه في الأمس مودعاً ،وكم من إنسان مقهور لا يمتلك سوى كظم الغيظ ورفع شكواه إلى الله لأنه لم يعد يثق بإنصاف الناس ،وهناك أيضاً من يشعر بمظلومية على يد إنسان يلتقيه في كل يوم ولكن لا ينفع أن يكلمه أو يعاتبه لأنه مظلمٌ من الداخل ،وهناك أيضاً من أمسى يكره حياته بسبب الذين لم يشعروا به ثم لم يبادلوه الحسنى بالحسنى،وهناك أيضاً أناسٌ كُسِرتْ قلوبهم ولكن الذين كانوا السبب في كسر خاطرهم لم يلتفتوا أصلاً إلى ما فعلوه بمشاعرهم وربما ظنوا أنه يحسنون صنعاً وأنهم أولياء الله وأحباؤه،وهناك اليوم في هذا العالم كثير من العلاقات التي قتلها الجفاف والبرودة والملل والنفعية والمصالح الشخصية والفئوية، وهناك أيضاً علاقات تتألق وتحيا وتنمو وتزداد حباً وسعادة ..أحياناً تطلُّ على المجتمع فتشعر أن جميع أبنائه مظلومون مقهورون وحتى الظالم يحدثك بلغة المظلوم والغني يحدثك بلغة الفقير والشبعان يحدثك بلغة الجائع وقد يحدث أحياناً أن يحدثك العالِم بلغة الجاهل والتقي بلغة الفاجر..فعلاً إن الإنسان موجود غريب وعجيب جداً وكأنه أقسم على أن لا يعرف قيمة الشيء إلا بعد خسرانه وضياعه ، وكأنه أقسم أن لا يعيش إلا على الحقد والكراهية وقطع ما أمر الله به أن يوصل ،وحتى عندما توغل في البعد وتحاول أن تكون وفياً للرحيل حتى تأمن الأذى والتنكيل ثمة من يصر على أذيتك والتنكيل بك ولو من خلف المسافات وبعد القفار ،وهكذا هو غباء الإنسان غباء غير متناهي،وأحياناً ربما كانت وقاحة الفجور الذي يعمي البصيرة في الإنسان،فلا يلتفت إلى الحقيقة ولا يعترف بعظيم ما ارتكب إلا بعد أن تكون القلوب قد أقفلت وتوقفت دقاتها ، هذا إن إعترف بالخطأ ..فكيف السبيل إلى لحظة من إعتراف أو غفران والغرور سيد الموقف والحسد يتنامى إشتعالاً والحقد يمنع من حل أبسط الخلافات وقشور المشاكل ؟! ثم كيف السبيل إلى العفو وكل ما حولك يجرك إلى الحقد ؟!وأنى لنا العافية وكل ما حولنا ينضحُ بالوباء ويندى بالتلوث وحتى البوح بالأوجاع في غير زمانه ومكانه لم يعد يخلو من نَتَنٍ كريه، ويبقى السؤال : ما لكثير من الـماء لا يطفئ نيران نفوسٍ تصرُ على إشتعالات الضغينة وما لبعض النفوس تجافي مشاعر الود والرحمة والسكينة ؟! ،ورغم هذه وتلك فإن الإنسان لا يريد أن يتأمل في آلافٍ من السنوات عبرت خلالها آلاف الأجيال ولو تأمل لوجد أن اقدم الأحقاد التاريخية هي اليوم تحت التراب مع أصحابها وأنه لم يمكث في الأرض إلا الكلمة الطيبة والصنع الجميل والموقف الحر والقلب الذي لا يعرف إلا أن يحب
 

مقتطفات من كتاب "مجتمع المودة وبناءات التواصل الإجتماعي