مع بدء الولايات المتحدة الاميركية تنفيذ رزمة عقوباتها الأحادية على الجمهورية الاسلامية الايرانية، تدخل المنطقة في مرحلة حساسة محفوفة بكثير من المخاطر.
 

وهذه العقوبات القديمة ـ الجديدة فرضتها واشنطن على طهران بدعم حلفائها الاقليميين الذين أبدوا الاستعداد لأن يقدموا لها كل ما تتطلبه عملية إنهاء النفوذ الايراني او تقويضه في المنطقة و«إعادة إيران الى داخل حدودها». ويقول البعض انّ واشنطن بفرضها هذه العقوبات إنما تستجيب لمطالب حلفائها الاقليميين، ولاسيما منهم الخليجيين الذين يشكون من توسّع هذا النفوذ، وكذلك مما يسمونه «تدخل إيران في شؤون الدول العربية الخليجية منها وغير الخليجية»، ويتهمونها بـ«تأجيج الفتنة المذهبية بين المسلمين».


امّا سرائيل من جهتها فهي أوّل المحرضين والداعمين لواشنطن في فرض العقوبات على ايران، حيث باتت تل ابيب تعتبر انّ ايران عدوها الاول والوحيد في العالم وتشكّل خطراً آنياً ومرحلياً واستراتيجياً عليها. بل انّ اسرائيل دفعت ولا تزال تدفع اقليميا ودوليا الى شن حرب واسعة النطاق على إيران بغية «إزالة خطرها النووي» بتدمير بناها التحتية والفوقية النووية، وكذلك غير النووية، فضلاً عن تدمير كل المرافق الحيوية الايرانية بما يعيد إيران عشرات السنين الى الوراء. كذلك، فإنّ هذه العقوبات تثير قلقاً كبيراً لدى كثير من دول المنطقة، وخصوصا لدى أصدقاء ايران وحلفائها الذين يعتقدون ان الادارة الاميركية ليست في وارد التراجع عن المواجهة مع طهران، وهي مواجهة تريد أيضاً، على ما يبدو، الاستثمار فيها سياسياً وانتخابياً، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي المقررة في تشرين الثاني المقبل، وكذلك تلبية مطالب حلفائها بإزالة النفوذ الايراني الذي يشكون من توسّعه.


ويقول قطب سياسي بارز انّ الادارة الاميركية، بلجوئها الى العقوبات الاقتصادية ضد ايران، بدلاً من الاندفاع الى تشكيل تحالف دولي معين لشَنّ حرب عليها على غرار ما فعلت في العراق وافغانستان، إنما تعوّل جدياً على ان تؤدي هذه العقوبات الى انفجار ايراني داخلي في وجه النظام بغية إسقاطه، او إضعافه على الاقل، الأمر الذي من شأنه يقوّض النفوذ الايراني في المنطقة وكذلك في مناطق أُخرى على الساحتين الاقليمية والدولية، اذ انّ الادارة الاميركية ربما احتسبت انّ شَن ايّ حرب ضد ايران غير مضمونة النتائج، وانها يمكن ان تفجّر المنطقة كلها لأنّه من الصعب التحكم بها وحصرها على الاراضي الايرانية فقط، ما يعني انّ الحرب يمكن ان تعمّ المنطقة كلها من البحر الابيض المتوسط وصولاً الى الخليج.


ويبدو، حسب القطب نفسه، انّ الايرانيين قد وطّنوا أنفسهم على مواجهة احتمالي الانفجار الداخلي الذي تريد واشنطن التحريض عليه عبر ضغط العقوبات، والحرب على جبهات عدة مباشرة وغير مباشرة، ولكنهم يميلون الى الاعتقاد بقوة أنّ غاية الادارة الاميركية وحلفائها هي إثارة قلاقل داخلية في الشارع الايراني عبر تصعيد العقوبات الاقتصادية الى حدود يمكن ان تدفع الايرانيين الى «الثورة» على النظام، مُحمّلينه المسؤولية عن تدهور الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في البلاد.


ويتوقع الايرانيون ان يواجهوا سنة صعبة على كل المستويات في ضوء رزمة العقوبات التي بدأ تطبيقها قبل أيام، وستليها رزمة أُخرى في الخريف. وذلك في حال لم تتخذ الدول الحليفة لإيران وعلى رأسها روسيا والصين اي خطوات تدعم الموقف الايراني وتحد من ضغوط العقوبات الاميركية عليها. ولكن اللافت، حسب القطب البارز نفسه، هو الخلاف الداخلي الايراني الناشىء الآن بين المحافظين والاصلاحيين حول طبيعة التعاطي مع الادارة الاميركية وضغوطها المتلاحقة على الجمهورية الاسلامية الايرانية سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً ومالياً، فالمرشد الاعلى للجمهورية السيد علي خامنئي ردّ على دعوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ايران الى التفاوض لحل الازمة الناشئة بين الدولتين من دون شروط مسبقة، رافضاً اي شكل من اشكال التفاوض مع الادارة الاميركية، في الوقت الذي ذهب الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الى القول انّ ايران لا يمكن ان تفاوض الولايات المتحدة الاميركية تحت العقوبات، وقد فسّر الاميركيون وكثيرون كلام الرئيس الايراني بأنّ طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن في حال رفعت العقوبات. ولكن موقف روحاني أزعج «الحرس الثوري الاسلامي» (الباسوران) الذي ذهب بعض قادته الى اتهام الاصلاحيين الذين ينتمي روحاني إليهم بالتفرّد في موقف ليست فيه مصلحة ايران، وهذا الموقف يتعارض مع موقف المرشد الخامنئي ويحرجه ويظهر القيادة الايرانية منقسمة على نفسها بين من يؤيّد التفاوض مع واشنطن وبين من يرفضه.


على انّ هذا التطور الاقليمي، على خطورته، لا يرى فيه القطب السياسي نفسه، معوقاً يضاف الى المعوقات التي تمنع حتى الآن إنجاز الاستحقاق الحكومي اللبناني بتأليف حكومة تتمثل فيها كل المكونات السياسية والطائفية. ويؤكد هذا القطب انّ المعوقات الداخلية قبل الخارجية، هي التي تمنع تأليف الحكومة لأنّ المعنيين بهذا الملف يترددون في حسم مواقفهم وخياراتهم، ويعملون، كل على طريقته، لضمان مصالحهم السياسية وغير السياسية راهناً ومستقبلاً، وبعضهم يستعجل استحقاقات لم يحن أوانها، وربما يعاقب بحرمانها، وفقاً لمقولة «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقِبَ بحرمانه». فيما طبيعة الاوضاع حالياً وفي كل أوان ينبغي ان تحكمها مقولة: «كل أوانٍ لا يستحي من أوانه». بمعنى ان لا داعي لفتح معارك حول استحقاقات ما تزال مواعيدها بعيدة، في الوقت الذي لا أحد يمكنه ضمان ما سيكون عليه واقع حال لبنان والمنطقة، وحتى واقع حال المعنيين عندما تحين تلك المواعيد.