انتهت جولة الاستطلاع الروسية لآراء المسؤولين اللبنانيين في شأن كيفية التعاطي مع مبادرة موسكو لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم. للبنان الحصّة الأكبر في عملية العودة، وفق ما يتحدث المسؤولون الروس. ورغم أن الموفد الروسي سمع موقفاً لبنانياً موحداً، فإن ذلك لا يلغي بعض الاختلافات في وجهات النظر اللبنانية، بين اعطاء طابع سياسي يمهّد لتنسيق مع النظام السوري وإعادة العلاقات، وبين رفض هذا الطابع وحصر العملية بالجانب التقني. وتكشف مصادر متابعة أن دوائر بيت الوسط تفاجأت بالدعوة التي وجهت إلى الرؤساء وقادة الأجهزة الأمنيين إلى بعبدا، مع التأكيد أن هذه الخطوة جرى الإعداد لها سريعاً وقبل فترة قصيرة جداً من انعقاد اللقاء، لأن رئيس الجمهورية ميشال عون أصرّ على إظهار صورة موحدة للموقف اللبناني الذي يصدر من بعبدا.
 


قدم الروس اقتراحاتهم، ورحّب اللبنانيون بها، إذ جرى الاتفاق على ضرورة عودة اللاجئين وتوفير الظروف والشروط الآمنة لذلك، عبر تأسيس لجنة في لبنان والأردن وتركيا. وأبلغ الروس أنهم نسقوا ذلك مع النظام السوري، الذي سيقدم ضمانات بعدم التعرض للعائدين، كاشفين عن وجوب وضع خطة لإعادة اعمار البنى التحتية المدمرة التي تحتاج الى دعم مالي. وهذا ما يتوجب على المجتمع الدولي توفيره. كما تحدث الروس عن تأسيس مراكز في سوريا من المفترض أن ينتقل إليها العائدون في المرحلة الأولى، ومنها إلى قراهم بعد إعادة إعمارها. على أن يتم تحديد نقاط عبور يسلكها اللاجئون للعودة.

على أن يجول الروس على مختلف دول الجوار والدول المعنية، لعقد لقاءات وبحث مختلف أفق إنجاح المبادرة، بالإضافة إلى عقد لقاءات مع الأوروبيين والأميركيين والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ثم يضع الروس خطّتهم التفصيلية من وحي تلك الاجتماعات ومداولاتها، وفيما بعد يعودون إلى لبنان والأردن لتقديم هذه الخطّة، ووضع الأطر التنفيذية لها. لأن آليتها لا تزال غير واضحة.

وتؤكد المصادر أن مسألة تشكيل اللجان ستكون تقنية بحتة، ولن يكون لها انعكاسات سياسية للتطبيع مع النظام السوري، لأن الحريري يصرّ على أن تكون اللجنة تقنية وأمنية، وليس لها أي طابع سياسي. وتشير المصادر إلى أنه لا يزال من المبكر الحديث عن اللجنة اللبنانية التي ستشكّلها الدولة، فيما الترجيحات تصب في إطار رئاسة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لها. بينما دمشق تقترح اللواء علي مملوك لهذه المهمّة. وهنا، لا بد من تسجيل مفارقة لبنانية، هي أن مملوك مطلوب للقضاء بقضية إدخال الوزير السابق ميشال سماحة لمتفجرات وتنفيذ عمليات أمنية في الداخل اللبناني. ولا تخفي المصادر وجود بعض التباين حيال اللجنة. فالحريري يصرّ على الجانب التقني بين الأمن العام والجيش اللبناني والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بينما عون يصرّ على اعطائها طابعاً سياسياً، عبر منح دور لوزارة الخارجية والسفير اللبناني في دمشق.

تعي المصادر أن المبادرة تحتاج إلى مزيد من الوقت، وربما إلى أشهر لأجل أن يبدأ تحقيق الخروق الجدية على صعيد إعادة اللاجئين، لأن هناك عشرات الآلاف من الناس الواجب تسوية أوضاعهم وتهيئة ظروف العودة لهم. وهذا يحتاج إلى وقت وجهد، فيما الخطوة الأولى هي بتحقيق التوافق الدولي في شأن تفاصيل الخطّة، وبمجرد تحقيق ذلك، وحينها فقط، يصبح في الامكان القول إن الخطّة بدأت الدخول في البحث العملاني لها.

يؤكد وزير شؤون النازحين معين المرعبي لـ"المدن" أن حصيلة اللقاءات كانت جيدة، والخطة تقوم على مبدأ إعادة اللاجئين من مختلف الدول إلى أماكن سكنهم الأصلي، إذا ما توفرت الظروف. وهذا الموضوع سيكون له آليات أمنية ولوجستية، لمتابعة تفاصيل الأمر. ولا بد من انتظار مراحل معينة لتوفير هذه الظروف، كتأمين مساكن لهؤلاء. ويشير المرعبي إلى أن الحديث عن مراكز التجمع كان فيه بعض الغموض، لكن الروس أوضحوا للمسؤولين اللبنانيين أن العودة ستكون إلى المناطق الأصلية. وهذا يجب أن يبدأ بعمليات إعادة إعمار المناطق التي سيعود اللاجئون إليها، ما يرتبط بإطلاق عملية إعادة إعمار تلك المناطق.

ويكشف المرعبي أن الوفد الروسي طرح بشكل مباشر مسألة الدخول في حوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية، لكن الحريري ردّ بشكل حاسم أنه يرفض التنسيق مع النظام السوري. وهذا قد يؤدي إلى مزيد من الإنقسام السياسي في لبنان، وهو يفضّل وضع الأمر في جانبه التقني، فأبدى الروس تجاوباً مع موقف الحريري، وفق ما يشير المرعبي. أما عن مسألة اللجنة التي ستتشكل فهي تحتاج إلى مزيد من البحث والوقت، لكنها ستكون تقنية بحتة. ويرفض المرعبي ربط هذا الأمر بأي مسألة سياسية، رغم أن النظام اختار مملوك لرئاسة اللجنة السورية. ويعتبر المرعبي أنه بالمعنى السياسي، وعلى المدى البعيد، يمكن للبعض أن يفسّر خطوة النظام بأنها استفزازية للبنان، ولكن أيضاً "أنا من المطلوبين للنظام السوري، كما مملوك مطلوب للقضاء اللبناني، فالمسألة ستبقى محصورة بشقها التقني، ولا علاقة للسياسة بها".