كل ما أنتجه النظام الإيراني على مدى عقود من حكمه، هو تحويل إيران إلى أشبه ما يكون لأداة تدميرية للمنطقة وشعوبها ومنهم الشعب الإيراني
 

تعرفنا على الثورة الإسلامية في إيران مع بداياتها، على انها ثورة المستضعفين في الأرض، وهذه التسمية كانت الأحب على قلب قائدها الأول ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني الراحل الذي لم نصدق أنه رحل قبل ان يسلّم الراية للإمام المهدي (ع) في كنف بيت المقدس بعد أن يفتحها لنصلي خلفه.


وهذا الأمر لم يكن من باب الدعاية السياسية حينها، بل هي حقيقة صدقناها وعشناها بكل جوارحنا حتى باتت اكثر من البديهيات اليقينية، فكانت الصدمة الاولى عندي وعند كثيرين أمثالي، بعد أن تيقنا من خبر وفاة الإمام الخميني وشاهدنا صوره مسجّى داخل المستشفى، ولن أن أنسى صبيحة يوم سبت في 3 حزيران 1989 لما تقدم مني أحد الاصدقاء لينقل الي خبر الوفاة كيف زجرته ولم أصدقه طبعًا.


ومنذ ذلك اليوم، بدأ تهافت صورة الثورة، وانها تجسيد لروايات اصحاب الرايات السود القادمين من المشرق الذين بشّر بهم النبي الاكرم على أنهم أصحاب رايات حق! وصرت كما كثيرين أمثالي نتطلع الى الموضوع من خلفية سياسية محض من دون الإتكاء على البعد الديني والمذهبي.


وبقي السلوك السياسي هو الميزان الذي حافظ على مكانة الثورة في قلوبنا، فإيران والى وقت قريب استمرت بحمل لواء "نصرة المستضعفين" والداعمة لحركات التحرر في العالم، والسد المنيع للهيمنة الأميركية في المنطقة وبطليعتها الدعم المطلق للمقاومة بجنوب لبنان وبالداخل الفلسطيني.

 

إقرأ أيضًا: صفقة العصر ... تحصيل حاصل

 

حتى كانت الصدمة الثانية عندما وقفت إيران مع نظام الأسد ضد شعبه، فكانت صدمة لا تقل بحجمها وآثارها عن صدمة 3 حزيران 89، وانتقلت إيران من داعمة الشعوب المستضعفة الى ضفة الاستبداد والقمع والتسلط، وتحولت من ثورة تحمي حقوق الشعوب، الى نظام يبدد ثروات ايران وخيراتها على أنظمة الجور والظلم في المنطقة تحت مسميات لم يعد لها على ارض الواقع اي أثر، كتحرير فلسطين ومواجهة المشروع الاميركي. 


وفي ظل هذه  التحولات الكبرى، صارت السياسة الإيرانية بالمنطقة تتخبط خبط عشواء، لم يسلم منها حتى الشعب الايراني نفسه، فبعيدًا عن ما يحصل في اليمن وسوريا والعراق ولبنان من دمار لمقدرات الدول وقتل وتدمير وزعزعة الحد الأدنى من الاستقرار، ها هي ايران نفسها اليوم قد طالها شرور سياستها، فالوضع الإقتصادي في إيران وصل إلى مراحل لم تشهده منذ بدايات الثورة ووصل سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي إلى الحضيض، حتى أن قادة النظام نفسه وحكومة روحاني نفسها تحذر بأنهم قادمون على أيام سوداء ومرحلة صعبة جدا بدأت ارهاصاتها تطفو على السطح مع التحركات الاحتجاجية لتجار بازار طهران، هذا ولم يدخل بعد قرار حظر استيراد النفط الايراني في تشرين الثاني المقبل حيث سيتأثر الاقتصاد 500% سلبًا. 


فكل ما أنتجه النظام الإيراني على مدى عقود من حكمه، هو تحويل إيران إلى أشبه ما يكون لأداة تدميرية للمنطقة وشعوبها ومنهم الشعب الإيراني نفسه، فلا اقتصاد حقيقي في ايران بالرغم من ثرواتها الهائلة ولا فلسطين تحررت ولا حرية صُدّرت، وانما المزيد من الغرق في الدماء،والفتن المذهبية البغيضة.


فلا الإنماء الاقتصادي حصل عندهم، ولا رفاهية مفترضة للإيرانيين تتوفر نتاج توسع النفوذ كما عند الامبراطوريات الفاتحة والطامحة ببسط نفوذها على العواصم الأخرى، وانما المزيد من الظلمات بعضها فوق بعض، فقط من أجل حماية نظام بات أقرب ما يكون إلى الانظمة الدكتاتورية يسعى لحماية نفسه كما يصرخ اليوم المتظاهرون في شوارع المدن الإيرانية.