على العهد أن يخرج من أوهامه الرئاسية بأن يلجم صهره وأطماع مستوزريه ليدرك أن الحكومة تؤلف من مجموع القوى السياسية
 

واحدة من إشكاليات العقل " العوني " عهدا وتيارا، انه لم يدخل بعد في عصر ما بعد الطائف، ولا زال يفكر بعقلية النظام الرئاسي الذي كان سائدا في حقبة ما قبل الحرب الاهلية، تتجلى هذه الحالة يوميا من خلال مفردات واداء سياسي يعكس هذه الرغبة، فالرئيس القوي بنظرهم هو الذي يفرض شروطه على الآخرين لتحقيق مكاسب سياسية أبعد ما تكون عن الخيارات الكبرى التي يتبجح بها التيار، فقط وفقط في سبيل إشباع هذه الرغبة بالعودة الى الماضي السحيق .
ويخيل للمراقب والمتابع، ان شعار " حكومة العهد الاولى " التي أعلن  الرئيس ميشال عون عن عزمه تشكيلها بعد الانتخابات، ستكون مؤلفة فقط من وزراء ينتمون للتيار الوطني الحر دون سواه، او على اكثر تقدير فان الوزراء  ان تكرم العهد لهم بالسماح بتمثيلهم فان له الكلمة الفصل في تحديد اسمائهم والحقائب التي سوف يستلموها .


بهذه المخيلة العونية، ينظر العهد وصهره معه الى الحكومة الجديدة المرتقبة، وعليه فقط يمكن ان نفهم حركة جبران باسيل بصفته صهر العهد والناطق الرسمي باسمه، وحركته ومواقفه المتعلقة بتشكيل الحكومة، فيصر على انه هو الآمر الناهي يعطي من يشاء ويحرم من يشاء ويحدد الاحجام ويقرر الاعداد ونوع الوزارات المسموح بها والوزارت الممنوعة حتى وصل به الأمر لتشرئب رقبته حتى صوب وزارة المالية ! 


ومن هذه الزاوية " العونية " المتخلفة، نستطيع ان نفهم كيف ان الحكومة الحالية ( حكومة تصريف الاعمال ) تعتبر بنظر العهد، حكومة لا تمت للعهد بصلة، حتى وهي بكامل صلاحياتها ويترأس كل جلساتها الرئيس ميشال عون بشكل دائم، فلا يريد ان يتحمل مسؤولية اخفاقاتها وفشلها ( هو فقط معني بتبني نجاحاتها )، فالموازنة والانتخابات مثلا هي من انجازات العهد لا الحكومة، اما الصفقات وتردي الاحوال الاقتصادية وأزمة النفايات والكهرباء والمياه والتفلت الأمني والصفقات و و و فهذا كله من أفعال حكومة لا علاقة للعهد بها.

 

إقرأ أيضا : عهد أوهن من بيت العنكبوت


ونحن على أبواب تشكيل حكومة جديدة بعد تكليف سعد الحريري نفسه، ووزارات سوف توزع بالتحاصص على الأفرقاء انفسهم، ووزراء سيكونوا هم أنفسهم مع القليل القليل من التعديلات، حتى نكاد نرى الصورة التذكارية عينها التي أخذت على درج قصر بعبدا في 18 كانون الاول 2016 ( مع ملاحظة ان الرئيس بري الحاضر الثابت دوما ) .


الجميع يدرك أن الحكومة المزمع تشكيلها هي نسخة طبق الأصل عن الحكومة الموجودة حاليا، وهذا ما اكدته نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، وعليه فبأي مبرر سوف يقنعنا العهد وصهره بان هذه الحكومة المنوي تشكيلها سوف تكون حكومة العهد الاولى! فيما الحكومة المنصرمة هي حكومة عهد غير معروف.


كفى مكابرة، وعلى العهد أن يخرج من أوهامه الرئاسية بأن يلجم صهره وأطماع مستوزريه ليدرك ان الحكومة تؤلف من مجموع القوى السياسية، وان امضائه على مراسيم التشكيل من اجل تيسير مصالح اللبنانيين لا من أجل إشباع جموح الاصهرة والابناء، ومن كان همه " الاصلاح والتغيير " فيكفي ان يمارس هو سلوك اصلاحي وان يعترض من موقعه على اي فساد من اي جهة كانت، فمحاربة الفساد تكون بالأداء لا بالأشخاص ولا بكثرة الوزارات .


فاذا كان العهد وصهره يعتقدان بأنهما سوف يشكلان حكومة من التيار الوطني الحر وأتباعهما وحلفائهما فقط،  ولا يشاركهما أحد من العالمين، فان مثل هذه الحكومة لن تتشكل يا عزيزي، والبلد لا يستطيع الانتظار .