أليست الصلاحيات عُرضةً للرقابة والمحاسبة والنّقد وتبيان مساوئها والدعوة للعودة عنها؟
 

يوماً بعد يوم يُصّرُّ رئيس الحكومة سعد الحريري على الاستخفاف بعقول اللبنانيين بدل أن يرتقي بالسياسة إلى مراميها الوطنية السامية، فحين يذهبُ معظم اللبنانيين إلى توجُّس مخاطر مرسوم التجنيس الذي وقّعه كلٌّ من رئيس الحكومة ووزير داخليّته، وتبنّاهُ بعد ذلك رئيس الجمهورية باعتباره من صلاحياته، يذهب رئيس الحكومة عكس التيار، فيوضح للمواطنين مدافعاً عن المرسوم، بأنّ إصداره، فضلاً عن إعداده، من صلاحية رئيس الجمهورية، ولا ضير في ذلك، وهذا كلامُ حقٍّ يُرادُ به باطل، ولا أحد يناقش في ذلك، لأنّه خارج النقاش أصلاً، وهل تعني الصلاحية المسّ بالثّوابت الوطنية وتهديد الاستقرار الداخلي؟ أليست "الصلاحيات" عُرضةً للرقابة والمحاسبة والنّقد وتبيان مساوئها والدعوة للعودة عنها؟، ولو أنّ كل مسؤول (مدني أو عسكري) مارس صلاحياته على هواه أو هوى حزبه أو تياره لخربت البلاد وعمّها الفساد، ومعلومٌ، كما تعلم يا دولة الرئيس، أنّ الأجهزة الأمنية عندها صلاحيات توقيف واعتقال أي مواطن، إلاّ أنّ الصلاحية هنا قُيّدت بمراجعة القضاء، كذلك الأمر بالنسبة لصلاحيات رئيس الجمهورية، فهي مُقيّدة بالدستور والمصلحة الوطنية العليا، ومرسوم تجنيس الأجانب من أكثر الملفات حساسيّةً وخطورة، وقد جرى التعتيم عليه بدل نشره ونشر أسبابه الموجبة، وتوضيح الغامض فيه، وتعليل المُشتبه به، وبيان مقاصده، واستقصاء النزاهة والشفافية في إعداده، وهذه كلّها أمورٌ يا دولة الرئيس، من واجبك كمسؤول حكومي أوّل أن تتحرّاها وتعمل على تنفيذها، ومن ثمّ تشرح للمواطنين الفائدة المرجُوّة من استعمال الصلاحيات، لا إطلاقها على عواهنها، وتغطية مساوئها ومضارها، وخلاف ذلك يدخل البلد في دائرة الاستبداد والظُّلم والعُسف.


كتب عاملٌ للخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز على حمص إلى عُمر: إنّ مدينة حمص قد تهدّم حصنها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن في إصلاحه. فكتب إليه عمر: أمّا بعد، فحصّنها بالعدل، والسلام.