هذه الأعراف الجديدة ، لا شكّ أنّها تضرب بمواد الدستور في عرض الحائط وتقطع الطريق أمام أي محاولة حقيقية لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان
 

 

يكاد لبنان يكون البلد الديمقراطي الوحيد في العالم الذي يُحكَم بمنطق الأعراف القائمة على التسويات السياسية والتي تترافق مع كل إستحقاق سياسي .

فالأعراف في هذا البلد تطال مقامات كبيرة ، كالهوية الطائفية للرؤساء الثلاث ، والتي لم يرد أي نص دستوري عليها ، بل تحوّلت بحكم الزمن والتوافقات السياسية إلى أعراف ، لها قوة القانون والنص الدستوري ، وتجاوزها يُعتبر مساساً بالميثاقية وخطاً أحمراً ممنوع المساس به.

وعلى خلفية المشاورات لتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة ، برزت إلى الواجهة محاولات حثيثة من مختلف القوى السياسية لتكريس أعراف جديدة .

أبرزها حصّة رئيس الجمهورية من خارج حصة تكتله النيابي ، والتي تُعتبر بدعة دستورية سبق للرئيس ميشال عون قبل أن يصل إلى سدّة الحكم أن طالب بإدراجها في الدستور كمادة وإلاّ لا يمكن لرئيس البلاد أن يطالب بها .

عاد الرئيس عون بعد ذلك إلى المطالبة بها ونقض كلامه السابق ، وحصل على حصّة وزارية خارج تكتله النيابي في حكومة الحريري الثانية ، واليوم يُطالب بها من جديد . 

بالمقابل ، وكرفع لسقف المفاوضات والشروط ، ردّ الحريري على هذا الأمر بمطالبته بحصّة وزارية أيضاً من خارج تكتله النيابي ، على مبدأ " المعاملة بالمثل "، علماً أنه لا يوجد أيضاً نص دستوري على ذلك .

 

إقرأ أيضا : هل يحقّ لرئيس الجمهورية أخذ حصّة وزارية خاصة به ؟

 

 

وعُرف آخر كثر الحديث عنه في السنوات الماضية ، وهو إعطاء وزارة المالية للطائفة الشيعية ، رغم أنه لا نص دستوري أيضاً عليها ، يتسلّح الرئيس نبيه بري بوقائع المفاوضات إبّان إتفاق الطائف حيث يقول أن هناك وعود أُعطيت للشيعة حينها بأن تكون هذه الوزارة من حقهم.

لكن في حكومات ما بعد الطائف ، لم يُوزّر أي شيعي في الوزارة ، وكانت في معظمها من حق تيار المستقبل وعلى رأسها وزير من الطائفة السنية ، بإستثناء آخر حكومتين في عهد الرئيس تمام سلام و حكومة الحريري الثانية .

هذه الأعراف الجديدة ، لا شكّ أنّها تضرب بمواد الدستور في عرض الحائط وتقطع الطريق أمام أي محاولة حقيقية لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان.

ولا أمل حينها في رفع شعارات مكافحة الفساد ، إذا ما إستمرت محاولات " تطييف " الوزارات وتكريس واقع لبنان على أنّه مزرعة .

فالإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود يكون بالتصرّف بمنطق الدولة وعبر رجال دولة يتعاطون مع هذا الملف على أساس وطني وأبوي.